[توبة رجل بسبب دعوة ابنته]
وهاهو حدث آخر حدث في مدينة الرياض، وقد نقلته قبل ذلك في محاضرة: (كل يغدو) ولكن أرى أن المقام مناسب له الآن، رجل عمره ما بين الثلاثين والأربعين، شاب في مقتبل شبابه، لا يرتاح ليلة من الليالي إلا على كأس خمر يشربها، أو امرأة يزني بها، حياته مظلمة، عربدة وفساد وعناد وبُعد عن الله الواحد الدَّيان، تمر به الأيام والليالي، ويشاء الله أن يتزوج بزوجة، وبعد زواجه يزداد طغيانه، ويزداد عصيانه، ويرزقه الله عز وجل بابنة من زوجته لتترعرع وتبلغ الخامسة من عمرها، ترعرعت وبلغت الخامسة من عمرها وهي لا ترى أباها إلا قليلاً، يسهر ليله على معصية الله، ثم يأتي مُنهكاً لينام، ونادراً ما تراه ابنته، في الليل نائمة وهو سهران على المعاصي، وفي النهار في عمله وهي في البيت.
تمر الأيام وتمر الليالي فلا يزداد إلا سوءاً، وفي ليلة يتفق مع بعض قرناء السوء ليجتمعوا على شرب الخمور، ويقدِّر الرحمن أن يتأخر عن هؤلاء الرفقة السيئين، ثم يقول هو عن نفسه: ذهبت وفتشت عنهم يمنة ويسرة، نظرت إليهم هنا وهناك -يبحث عنهم- فلم أجدهم.
قال: فما كان مني إلا أن ذهبت إلى صديق سوء آخر، وأخذت منه فيلماً ماجناً خليعاً جنسياً يستحي إبليس أن ينظر إليه، فكيف بالبشر؟! قال: ثم أخذته وعدت به في الساعة الثانية ليلاً.
ولا إله إلا الله! ثلث الليل الآخر يتنزل الرب، هل من داعٍ فأستجيب له؟ ومنا من تهراق دموعه على خدِّه من خشية الله، فذلك هو الفائز، ومِنَّا من يرضع المعاصي في تلك الساعة وخاصة هذه الأيام مع قدوم البث المباشر، في الساعة الثانية ليلاً الله يقول: {هل من داعٍ فأستجيب له؟} والناس ينظرون إلى ما يغضب الله جل وعلا.
قال: فدخلت إلى بيتي ونظرت إلى زوجتي وابنتي فوجدتهما نائمتين، قال: ودخلت إلى غرفة ذلك الجهاز -يقصد الفيديو- الذي خرب بيوت كثير من المسلمين، وأضاع شباب المسلمين، قال: فدخلت ووضعت الشريط في ذلك الجهاز، ثم جلست، وبينما أنا جالس وإذ بالباب يفتح، وإذا بها ابنتي -عمرها خمس سنوات- وإذا بها تدخل وتنظر إليّ بنظرات حادة قوية وتقول: عيب عليك يا والدي! اتقِ الله! عيب عليك يا والدي! اتقِ الله! قال: ذهلت ودهشت، وقلت: من علَّمها؟ من أنطقها؟ إنه رب الأرباب سبحانه وبحمده.
قال: وأغلقت الجهاز، وخرجت ونظرت إليها، فإذا هي نائمة، قال: فخرجت وأنا أتذكر قولتها: عيب عليك يا والدي! اتق الله! بقيت في الشارع أمشي وآتي، وإذا بمنادٍ ينادي: (الله أكبر، الله أكبر).
نداء صلاة الفجر الذي حُرِمَه كثير من المسلمين، والذي ذكر النبي صلى الله عليه وسلم: أن من عِظَم الأجر فيه لو لم يكن من الإنسان إلا أن يأتي حبواً لتلك الصلاة لجاء حبواً، قال: فذهبت وتوضأت ودخلت في المسجد، وما كنت أصلي أبداً، قال: وكبرت مع الإمام، ويوم سجدت انفجرت من البكاء، وعندما انتهى الإمام من صلاته، قال الرجل الذي بجانبه: ما بك يا أخي؟ قال: قلت له: سبع سنوات ما سجدت فيها لله سجدة، بأي وجه ألاقي ربي؟
سبع سنوات ما ركع فيها لله ركعة، بأي وجه يلاقي الله جل وعلا.
قال: ثم ذهب الناس، وبقيت أتذكر جرائمي وفضائحي، وذنوبي التي عظُمت وعظمت وعظمت، قال: ونظرت في الساعة، فإذا وقت الدوام يحين، قال: فانطلقت إلى عملي، وكان لي زميل لطالما ذكرني بالله جل وعلا ولكنني لم أتذكر، قال: دخلت عليه ونظر إلي وقال: والله إني لأرى بوجهك اليوم شيئاً غير الذي أراه منك كل يوم، قال: لقد كان من أمري البارحة كذا وكذا وكذا وقص عليه قصته، فقال: احمد الله الذي أرسل إليك ابنتك لتوقظك وما أرسل إليك ملك الموت ليقبض روحك.
ثم قال: إني لم أنَمْ البارحة، وأريد أن تأذن لي لأذهب لأنام، فأذن له فخرج من عنده، وذهب ودخل في مصلى الدائرة التي يعمل فيها، ثم قام يصلي من الساعة العاشرة إلى صلاة الظهر، قال: وجئته وظننت أنه ذهب إلى البيت، قال: فتقدمت إليه، ولما رآني انفجر بالبكاء، فقلت له: لِمَ لَمْ تذهب وتسترح؟ قال: يا أخي! سبع سنوات ما ركعت فيها لله ركعة، بأي وجه ألاقي ربي؟ والله إن بي شوقاً عظيماً إلى الصلاة -والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: {وجعلت قرة عيني في الصلاة} - وتواعد هو وإياه على ليلة جديدة وعلى عُمْر جديد؛ ليكون عمره تلك الليلة، وليكون عمره بدايته في ذلك اليوم، وما مضى فعُمْر لا يتشرف به.
وذهب إلى بيته يريد أن يرى ابنته التي لم يرَها منذ أن قالت له كلمتها، ويدخل البيت، وإذا بزوجته تصرخ في وجهه وتقول له: أين أنت؟ نتصل عليك فلم نجدك، لقد ماتت ابنتك منذ ساعات، فما كان منه إلا أن انهار، لم يتمالك نفسه إلا وهو يردد كلماتها: عيب عليك يا والدي! اتق الله! عيب عليك يا والدي! اتق الله!
ثم ماذا كان؟ كان منه أن اتصل بزميل الصلاح وأخبره، فجاء وكفَّنوها وصلوا عليها في صلاة العصر، وذهبوا بها إلى المقبرة، ويوم وصل إلى المقبرة قال: خذ ابنتك -يقول زميله- وضَعْها في لحدها، فأخذها ودموعه تقطر على كفنها.
وليس الذي يجرى من العين ماؤها ولكنها روح تسيل وتقطر
ما كان منه إلا أن وضعها في القبر، ويوم وضعها في القبر قال كلاماً أبكى جميع من حضر الدفن، قال: يا أيها الناس! أنا لا أدفن ابنتي، ولكني أدفن النور الذي أراني النور، هذه البنت أخرجتني من الظلمات إلى النور بإذن الله -سبحانه وبحمده- فأسأل الله أن يجمعني وإياها في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر.
أرأيتم أيها الأحبة يوم يعود العبد إلى الله فيجد الله سبحانه وتعالى توَّاباً رحيماً.