للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الظلم مرتعه وخيم]

علمتني الحياة في ظل العقيدة الإسلاميه: أن الظلم مرتعه وخيم، وأن الظلم يفضي إلى الندم، وأنه ظلمات يوم القيامة، وأن الله لا يغفل عما يعمل الظالمون؛ لكن يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار.

في الحديث القدسي يقول النبي صلى الله عليه وسلم: {قال الله: يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا}.

وظلم ذوي القربى أشد مضاضة على المرء من وقع الحسام المهند

ها هم أهل قرية من القرى قبل وقت من الزمن نقص عددهم نتيجة الحروب التي كانت تقام بين القبائل لأتفه الأسباب، فما كان منهم إلا أن فكروا في أن يزيدوا عددهم فاجتمعوا وعقدواً مؤتمراً لهم، وكان قائدهم في ذلك المؤتمر إبليس عليه غضب الله جل وعلا ونعوذ بالله منه، فاتفقوا على أن يرجع كل واحد من أهل هذه القرية فيقع على محارمه؛ يقع على أخته وعلى بنته ليكثر العدد، والحادثة معروفة ومشهورة والقرية معروفة ومشهورة، وهي عبرة وعظة لكل من يعتبر.

ما كان منهم إلا أن رجعوا من اجتماعهم فمنهم من رجع إلى أهله ونفذ ما اجتمعوا عليه، ومنهم من رضي بذلك ولم يفعل، والراضي كالفاعل، فما كانت النتيجة؟ أي ظلم -يا أيها الأحبة- وأي ظلمات أن يقع الأب على ابنته، أو يقع الأخ على أخته، أو يقع المحرم على محارمه؟ إنه -والله- الظلم والظلمات.

فيرسل الله عز وجل جندياً من جنوده: {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ} [المدثر:٣١] فيخرج عليهم النمل، تقوم النملة فتلدغ الواحد منهم فيذبل ثم يذبل ثم يذبل ثم يموت، وهكذا واحدا وراء الآخر، فما كان من أحدهم إلا أن أراد أن يفلت، فسرق من أموالهم ما سرق، وجمع من الذهب والفضة ما جمع، ثم أخذه في وعاء معين، ثم حفر له تحت صخرة من الصخرات، ثم ما كان منه إلا أن علمه بهذه الصخرة، وذهب هارباً إلى مكة، وبقي في مكة ردحاً من الزمن، قيل: إنها عشرون سنة أو أكثر من ذلك، ثم تذكر ذلك الذي حصل ولم يبق في تلك القرية إلا النساء، فماذا كان يا أيها الأحبة؟

ما كان من هذا الرجل بعد عشرين سنة إلا أن أرسل واحداً من أهل مكة -وما استطاع هو بنفسه أن يرجع إلى هناك- وقال: اذهب إلى ذاك المكان وستجد في المكان الفلاني تحت الصخرة الفلانية وعاء فيه كذا وكذا، خذه وائتنا به ولك كذا وكذا، فذهب الرجل على وصفه وسأل عن المكان واستخرج ذلك الكنز وجاء به إليه في مكة، ويوم وصل به إلى مكة جاء الرجل ليفتحه، وكان ذلك الرجل أميناً لم يغير فيه ولم يبدل، أخذه كما هو، وعندما فتحه وإذا بنملة على ظهره إذ بها تأتي فتقفز إلى أنفه فتلدغه فيذبل ثم يذبل ثم يموت: {وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ} [إبراهيم:٤٢].

وها هو المعتمد حاكم بعض ولايات الأندلس ذلكم الشجاع القوي المترف، يستعين به حاكم ولاية مجاورة، غزاها أحد أعدائه فيسرع المعتمد لنجدة ذلك الرجل ويرجع ذلك الغازي مدحوراً لما رأى جيوش المعتمد.

وهنا انتهت مهمة المعتمد، لكنه في ظلام الليل يقوم ليبث جنوده في المدينة وحول قصر من استنجد به ويحتل المدينة ويا له من مجير:

والمستجير بعمر عند كربته كالمستجير من الرمضاء بالنار

أصيب ذلك الحاكم -لأنه دعاه- بصدمة عنيفة شُلَّ منها، قبض عليه وعلى والده وأخذت أمواله وأودع السجن، وسبيت زوجاته وبناته ثم أخرج من ولايته مهاناً ذليلاً، يقول أبوه: والله! إن هذا بسبب دعوة مظلوم ظلمناه بالأمس.

ثم يرفع يديه إلى من لا يغفل عما يعمل الظالمون، قائلا: اللهم كما انتقمت للمظلومين منا فانتقم لنا من الظالمين.

وتصعد الدعوة إلى من ينصر المظلوم، ويظل المعتمد في ملكه فترة، ينام والمظلوم يدعو عليه وعين الله لم تنم، وتجتاحه دولة المرابطين في ليلة من الليالي وتأسره في آخر الليل:

يا راقد الليل مسرورا بأوله إن الحوادث قد يطرقن أسحارا

ويقضي حياته في أغمات في بلاد المغرب أسيراً حسيراً كسيراً، وأصبحن بناته المترفات اللائي كن يخلط لهن التراب بالمسك ليمشين عليه؛ حسيرات يغزلن للناس الصوف ما عندهن ما يسترن به سوآتهن، ويأتين أباهن يوم العيد في السجن يزرنه، فيتأوه ويبكي وينشد وكان شاعراً:

فيما مضى كنت بالأعياد مسروراً فساءك العيد في أغمات مأسوراً

ترى بناتك في الأطمار جائعة يغزلن للناس ما يملكن قطميرا

برزن نحوك للتسليم خاشعة أبصارهن حسيرات مكاسيرا

يطأن في الطين والأقدام حافية كأنها لم تطأ مسكا وكافورا

من بات بعدك في ملك يسر به فإنما بات بالأحلام مغرورا

كم من دعوة مظلوم قصمت ظهر طاغية، والعدل أساس الملك: {وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً} [الكهف:٤٩].

ها هو حمزة البسيوني الجبار الطاغية الظالم، كان يقول للمؤمنين وهو يعذبهم وهم يستغيثون الله جل وعلا -وما نقموا منهم إلا أن آمنوا بالله- يقول لهم متبجحاً: أين إلهكم الذي تستغيثون؛ لأضعنه معكم في الحديد.

جل الله وتبارك سبحانه وبحمده.

ويخرج ويركب سيارته وظن أنه بعيد عن قبضة الله جل وعلا، وإذ به يرتطم بشاحنة ليدخل الحديد في جسده فما يخرجونه منه إلا قطعة قطعة.

{إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته} {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود:١٠٢].

ولما أهين الإمام أحمد بن حنبل من قبل ابن أبي دؤاد رفع يديه إلى من ينصر المظلوم وقال: اللهم إنه ظلمني وما لي من ناصر إلا أنت؛ اللهم احبسه في جلده وعذبه، فما مات هذا حتى أصابه الفالج فيبس نصف جسمه وبقي نصفه حياً، دخلوا عليه وإذا به يخور كما يخور الثور، ويقول: أصابتني دعوة الإمام أحمد ما لي وللإمام أحمد؟! ما لي وللإمام أحمد؟!

ثم يقول: والله لو وقع ذباب على نصف جسمي لكأن جبال الدنيا وقعت علي، أما النصف الآخر فلو قرض بالمقاريض ما أحسست به.

فإياك والظلم مهما استطعت فظلم العباد شديد الوخم

وفي الأثر أن الله عز وجل يقول: {وعزتي وجلالي لا تنصرفون اليوم ولأحد عند أحد مظلمة، وعزتي وجلالي لا يجاوز هذا الجسر اليوم ظالم}.

لا تظلمن إذا ما كنت مقتدراً فالظلم آخره يفضي إلى الندم

تنام عينك والمظلوم منتبه يدعو عليك وعين الله لم تنم