للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الأسباب المعينة على قيام الليل]

السؤال

فضيلة الشيخ! إني أحبك في الله.

يقول العلماء: إن قيام الليل من أعظم وسائل التثبيت، وكم جاهدت نفسي لقيام الليل، ولكن لم أستطع المداومة على ذلك؛ فما هي الأسباب المعينة على ذلك وجزاكم الله خيراً؟

الجواب

أقول يا أيها الأحبة: قيام الليل لذة، وحلاوة، وسعادة، ونعمة، وحبور، وسرور، والله! لا يعلمها إلا من صفَّ قدميْه في ظلمات الليل؛ ليرجو رحمة ربه، ويخشى عذابه، يطلب جنته، ويستجير من ناره، سبحانه وبحمده! أهله المتقون: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُوا قَلِيلا مِّن اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالأسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) [الذاريات:١٥ - ١٨] أهله من: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة:١٦ - ١٧].

إني أقول لك -يا أيها الحبيب! الذي لا تستطيع قيام الليل، والذي قال لك العلماء: إنه من عوامل التثبيت- أقول: إن هذا صحيح، وإليك بعض الأسباب -أسأل الله أن ينفع السامع، وأن ينفع المتكلم بهذه الأسباب-:

أولاً: أن تعلم أن لله عز وجل نفحات متى ما تعرّض لها العبد سَعِد في دنياه وأخراه، وتلك هي السعادة الأخروية التي نطلبها.

ومن هذه النفحات: التعرض لها في الثلث الأخير من الليل، وذلك لا يكون إلا لمن يقوم الليل، إن الله سبحانه وتعالى يتنزل -نزولاً يليق بجلاله- في ثلث الليل الآخر، فيقول: {هل من داعٍ فأستجيب له؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من تائب فأتوب عليه؟} إن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: {إن في الليل لساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله خيراً من الدنيا والآخرة إلا أعطاه الله إياه، وذلك كل ليلة} فضلاً من الله ونعمة.

إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول -كما روى الطبراني بإسناد حسن-: {إن في الجنة غُرفاً يُرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها.

قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال -في آخر الحديث-: لمن بات قائماً، والناس نيام} أن تعلم هذا أولاً.

الثاني أيها الحبيب: إذا أتيت مضجعك؛ فتوضأ وضوءك للصلاة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم للبراء.

الأمر الثالث: أن تقرأ آية الكرسي؛ فلا يقربك شيطان، وما يزال عليك حافظ من الله عز وجل حتى تصبح.

اقرأ الآيتيْن الأخيرتيْن من سورة البقرة؛ فمن قرأهما في ليلة كفتاه.

سبح ثلاثاً وثلاثين، واحمد ثلاثاً وثلاثين، وكبر أربعاً وثلاثين، اذكر الله عز وجل حتى يغلبك النوم؛ فإنك إذا جئت إلى فراشك ابتدرك شيطان وملك، فيقول الشيطان: اختم بِشَرٍّ، ويقول الملك: اختم بخير فإذا بقيت تذكر الله حتى تنام بقي الملك يحرسك، وطُرد الشيطان من فراشك.

كما أني أوصيك بأن تضع يدك اليمنى تحت خدِّك الأيمن على جنبك الأيمن، ثم تقول وتدعو بالدعاء: {باسمك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه، إن توفيت نفسي فارحمها، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين}.

{اللهم إني أسلمت نفسي إليك، ووجهت وجهي إليك، وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك؛ رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت، ونبيك الذي أرسلت}.

واذكر من الأذكار ما تعرفه وكتب الأذكار موجودة لديك.

أيضاً احرص في النهار على أن تنام نوم القيلولة؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: {قيلوا فإن الشياطين لا تقيل} كما في السلسلة الصحيحة.

أيضاً: لا تُتعب نفسك في النهار كثيراً؛ لأن من تعب في النهار لا يستطيع أن يقوم في الليل.

والأمر ما قبل الأخير: يجب عليك -يا أيها الحبيب- أن تقلل من الطعام في الليل؛ لأن من كثر أكله، كثر نومه، ويروى أن يحيى بن زكريا قال للشيطان: هل قدرت مني في حياتي على شيء؟ قال: مرة واحدة قُدم لك طعام فقمت أُشهِّيه لك، وأُشَهِّيه لك، فشبعت، ثم لم تقم تلك الليلة.

قال: لا جرم لا شبعت بعدها أبداً، فقال الشيطان: لا جرم لا نصحت آدمياً بعدك.

ثم الزم الاستغفار، وأكثر من الاستغفار؛ فمن أكثر من الاستغفار يسَّر الله عز وجل أموره، وكان له من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً.

أكثر من ذكر الله عز وجل.

أقلل من فضول الكلام، ولا تكثر من فضول النظر، ومتِّع عينيْك بالنظر في كتاب الله عز وجل، ثم عليك بالدعاء أن يوفقك لخيريْ الدنيا والآخرة.

أسأل الله أن يجعلنا وإياكم ممن تتجافى جنوبهم عن المضاجع، يدعون ربهم خوفاً وطمعاً.