[صفحة مضيئة من تاريخ الإسلام]
أحبتي في الله: أرأيتم إلى الحزم والعزم في تنفيذ أوامر الله وأوامر رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصديق، إنها والله الكلمات الصادقة التي تخرج من القلوب الصادقة كالصواعق على أعداء الله، وكالبلسم على قلوب أولياء الله.
والله يا أيها الأحبة إن الإنسان وهو يسمع تلك الكلمات التي سمعتموها من أبي بكر آنفا ليذكره ذلك بصفحة مضيئة من تاريخنا أيضاً، ومن صحابي آخر ألا وهو خالد رضي الله عنه كما في تاريخ ابن كثير، يوم يقول ماهان أحد قادة الروم: قد علمنا ما أخرجكم من بلادكم أيها العرب إلا الجوع، فهلموا نعطي كل واحد منكم عشرة دنانير وارجعوا، فإذا كان كل عام بعثنا لكم مثل ذلك.
فقال خالد بعزة المؤمن الذي يثق بنصر الله، والذي أرعب الناس بذلك الدين الذي يحمله في قلبه، قال: [[لا والذي نفس خالد بيده، ما خرجنا لذلك، غير أننا قوم نشرب الدم، وبلغنا أن هنا دم ما أطيب من دم الروم فجئنا لذلك، ولن نرجع حتى نشرب من دمائكم]]، أو كما قال، فألقى الله الرعب في قلوبهم؛ فنصر الله خالداً عليهم.
خالد الذي يحاصر بلدة من البلدان أشهراً، فتستعصي عليه هذه المدينة، فيكتب رسالة لقائدها من قلب صادق تخرج الكلمات منه صواعق وقذائف، يقول لذلك القائد الرومي -وهو قائد بلدة قنسرين: [[من خالد بن الوليد إلى قائد الروم في بلدة قنسرين، أما بعد: فأين تذهبون منا، ووالله لو صعدتم إلى السماء لأصعدنا الله إليكم أو لأمطركم علينا]]، فما كان من ذلك الرجل إلا أن رعب وفزع، وألقى الله الرعب في قلبه، فقال: اخرجوا وافتحوا أبواب المدينة لا طاقة لنا بهؤلاء.
خالد معركة اليرموك، يقابله فيها الروم وعددهم مائتان وأربعون ألفاً في مقابل أربعون ألفاً مع خالد، ربع مليون نصراني قريبون من قياداتهم ومن مصادر تموينهم ومن كل شيء، وأربعون ألفاً من المسلمين بينهم وبين أرض الخلافة صحار شاسعة يبيد فيها البيد ويضيع فيها الذكي والبليد.
يقال لـ خالد في هذه الظروف الحرجة الحالكة القاسية: ما أكثر الروم! فيقول خالد مغضباً: [[اسكت بل ما أقلهم، إنما يكثر الروم بنصر الله ويقلون بخذلانه، وددت أن الروم أضعفوا لنا العدد، وأن الأشقر برء من وجعه]] والأشقر هو فرسه فقد كان قد أصيب بوجع في حافره، فما أصبح يمشي كما ينبغي، أصبح يضلع وهو يمشي، الله أكبر يا أيها الأحبة! إن الإنسان ليقف أمام هذه، فيقول: قد وقعت هذه؟ نقول: والله لولا النقل الصحيح لما صدقنا ذلك.
في عالم القوة المادية المزمن ربع مليون نصراني لا يساوون ضلعاً في رجل فرس خالد رضي الله عنه، لماذا؟ لأنه عَلِمَ عِلْمَ يقين أن الله سينصره، ووالله لا نصر لنا في حياتنا إلا بتطبيق منهج الله في كل صغيرة وكبيرة في حياتنا، حتى نرى الله سبحانه وتعالى يسير أحداث الكون بقدرته لصالح تحقيق أهداف المؤمنين التي تتمثل في هدف واحد وهو تحقيق العبودية لله في الأرض وحده لا شريك له.
انظروا كيف تصبح كلمات أولياء الله قدراً يجري في هذا الكون لا يثبت أمامها شيء بإذن الله، ينطقون بالكلمة فيطوع الله لها كل شيء، فتبلغ مبلغاً عظيماً لا يقدره إلا الله جل وعلا.
أحبتي في الله: إن الدين الذي قاتل به خالد وأصحابه رضوان الله عليهم محفوظ غض طري بين أيدينا نقاتل به مدى الحياة متى ما شئنا فننصر: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:٩].