للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الاعتناء بالحقائق وعدم الاغترار بالمظاهر]

التاسعة عشرة: ما كل عُود ناضر بنُضار: ما كل مَن حَسُن منظره حسن مَخبَره، فلا تُغَلب المظاهر على الحقائق على الطريق: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:١٣] وابلُه تَقْلِه أو تحببه.

فما الحسن في وجه الفتى شرف له إذا لم يكن في فعله والخلائق

إنَّ من عباد الله على الطريق من تشرئب إليه الأعناق، ويسترعي الانتباه، لكنه خائر بائر لا خير فيه، فلا يُغتَرُّ به.

لهم منظرٌ في العين أبيض ناصع ولكنه في القلب أسود أسفع

فمردودٌ بهاؤهم عليهم كما رد النكاح بلا ولي

ومِن عباد الله على الطريق من لا تشرئب إليه الأعناق، ولا يسترعي الانتباه، لكنْ يجري الله على يديه الخير الكثير.

متبذل في القوم وهو مبجل متواضع في الحي وهو مكرم

ثبت أنه مر رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لرجل عنده جالس: {ما رأيك في هذا؟ قال: رجل من أشراف الناس، حَرِيٌّ -والله- إن خَطَبَ أنْ يُنكح، وإنْ شَفَعَ أن يُشَفَّع، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم مر رجل آخر، فقال صلى الله عليه وسلم للرجل: ما رأيك في هذا؟ فقال: يا رسول الله! هذا رجل من فقراء المسلمين، حَرِي إنْ خَطَبَ ألا يُنكَح، وإنْ شَفَعَ ألا يُشَفَّع، وإنْ قال ألا يُسمَع لقوله، فقال صلى الله عليه وسلم: هذا خير من ملء الأرض مثل هذا}.

وبعض الناس ماء رباب مزنٍ وبعض الناس من سبخ الملاح

والسيف ما لم يلف فيه صيقلٌ من طبعه لم ينتفع بصقال

والسيف ليس بضائرٍ إذا صح نصل السيف ما لقي الغمد

ولا ينفع الأصل من هاشمٍ إذا كانت النفس من باهلة

دخل أعرابي رث الهيئة في عباءة خَلِقَة على معاوية رضي الله عنه وأرضاه فاقتحمته عينه، وغدا ينظر إلى عباءته الخَلِقَة، فقال الأعرابي: يا أمير المؤمنين! إن العباءة لا تكلمك، وإنما يكلمك من فيها.

وما ضر نصل السيف إخلاق غمده إذا كان عضباً حيث أنفذته يبري

فإن تكن الأيام أزرت ببزتي فكم من حسامٍ في غلافٍ مكسر

فأدناه وقربه، وعلم أن في العباءة ما فيها.

عجبت لمن ثوبه لامع ولكنما القلب كالفحمة

مظاهر براقة تحتها بحار من الزيف والظلمة

وتكلم آخر مُحتقر، عند عبد الملك بكلام ذهب فيه كل مذهب، حتى خُلِب به لب عبد الملك وأُعجب به، فقال له: ابن من أنت؟ فقال: أنا ابن نفسي يا أمير المؤمنين التي توصلتُ بها إليك، وأهلتني لأن أتكلم بين يديك فأَخْلِب لُبَّك، أبى الله أن أسمو بجد ولا أب.

فما أنا إلا السيفُ يأكل جفنه له حليةٌ من نفسه وهْو عاطلُ

وليست رغوتي من فوق مذق ولا جمري كَمِين في الرمادِ

قال: صدقت

فما الفخر بالعظم الرميم وإنما فخار الذي يبغي الفخار بنفسه