[تضحية الصحابة في سبيل الله]
صدقوا ما عاهدوا: صدقوا فضَحوا بالنَّفس والنفيس في سبيل الله.
صدقوا فتحمَّلوا الجوع والعطش والبرد والأذى لخدمة هذا الدين.
صبروا على الامتحان، وآثروا العقيدة على نعيم الدنيا، فتركوا أموالهم وعشيرتهم وأوطانهم وهاجروا فارين بدينهم، فرضي الله عنهم وأرضاهم.
استحقوا أن يخلِّد الله ذكرهم في كتابه بما وصفهم به من عاطر الثناء، وحفظ لهم قدرهم في الأمة على مدى الزمان.
فإذا بأحدهم؛ وهو عبادة -رضي الله عنه- يقول للمقوقس: [[وما منا رجل إلا وهو يدعو ربه صباحاً ومساءً أن يرزقه الشهادة، وألا يرَّده إلى بلده، ولا إلى أرضه، ولا إلى أهله وولده وماله، وليس لأحد منا هَمٌّ فيما خلَّفه، وقد استودع كل واحد منا ربه أهله وولده وماله، وإنما همُّنا ما أمامنا]].
بذلوا أرواحهم في سبيل الله حتى لا تكون فتنة، ويكون الدين كله لله، أفنحن كذلك؟!
اللهم اجعلنا جميعًا كذلك، آمين يا رب العالمين.
أحبتي في الله: لم يكن طريق الصحابة ومن تبعهم بإحسان معبَّداً مفروشاً بالزهور والورود، بل كان محفوفاً بالأخطار، وكان الدخول فيها امتحاناً شاقّاً لا تجتازه إلا الهمم الشامخة، والنفوس العالية التي حازت الإيمان والإخلاص والمجاهدة والجهاد:
سَلُوا بلالاً وعماراً ووالدَه عنِ السلاسلِ والرَّمْضاءِ والأَلَمِ
مر رجل بـ المقداد بن الأسود -رضي الله عنه- فقال له: طوبى لهاتين العينين اللتين رأتا رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله! لوددنا أنَّا رأينا ما رأيت، وشهدنا ما شهدت.
فقال المقداد: [[ما يحمل أحدكم على أن يتمنى محضراً غيبه الله عنه؛ لا يدري لو شهده كيف يكون فيه، والله! لقد حضر رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أقوامٌ كبَّهم الله على مناخرهم في جهنم؛ إذ لم يجيبوه، ولم يصدقوه، أو لا تحمدون الله إذ أخرجكم لا تعرفون إلا ربكم، مصدقين بما جاء به نبيكم، وقد كفيتم البلاء بغيركم.
والله! لقد بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم على أشد حال بُعث عليه نبي من الأنبياء، في فترة وجاهلية ما يرون ديناً أفضل من عبادة الأوثان، فجاء بفرقان فرَّق به بين الحق والباطل، وفرق به بين الوالد وولده، حتى إن الرجل ليرى والده أو ولده أو خاله كافراً، وقد فتح الله قفل قلبه للإيمان ليعلم أنه قد هلك من دخل النار، فلا تقر عينه وهو يعلم أن حميمه وقريبه في النار، وإنها للتي قال الله: {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ} [الفرقان:٧٤]]].
لقد كان معظم الصحابة فقراء، ومَنْ لم يكن فقيراً فقد ترك ماله يشري نفسه ابتغاء مرضات الله، وكانت الدولة الناشئة في المدينة لا تملك الأموال، فلا مطمع لمن يدخل في دين الله، في نيل المال أو الجاه أو أي عرض من أعراض الدنيا.
ومن طريف الروايات التي تصور فقرهم وحالهم ما أخرج البخاري في صحيحه عن سهل بن سعد -رضي الله عنه- قال: [[كانت منَّا امرأة تجعل لها في مزرعة لها سلقاً -نوع من الخضار- فكانت إذا جاء يوم الجمعة تنزع أصول السلق، وتجعله في قدر، ثم تجعل معه قبضة من شعير تطحنه، قال سهل: فكنا ننصرف إليها من صلاة الجمعة فنسلِّم عليها، فتقرب لنا ذلك الطعام، والله! إنا كنا لنتمنى يوم الجمعة من أجل ذلك الطعام، ونفرح بيوم الجمعة لأجله]] مع أنه طعام لا شحم فيه ولا وَدَك، وما عند الله خير وأبقى.