[الاستعداد لامتحان الآخرة]
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
إن يوم القيامة هو الامتحان الأكبر، وعندها يتبين الصادق من غيره.
هل صليت وصمت لله يا عبد الله؟ هل أطعت الله ورسوله؟ هل تحب الخير وأهله؟ هذه أسئلة تتردد على مسامعكم، هل تبغض الشر وأهله؟ هل تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ هل تحب للناس ما تحب لنفسك؟ هل سلمت أعراض المسلمين من لسانك؟ هل يطمئن قلبك بذكر الله؟ هل يتعلق قلبك بالله في الشدة والرَّخاء؟ هل نزّهت أذنك عن سماع ما يغضب الله؟ هل غضضت بصرك عن محارم الله؟ هل غضبت لله؟ هل أحببت في الله؟ هل أبغضت في الله؟ هل أعطيت ومنعت لله؟ هل استسلمت لأمر الله؟ هل استسلمت لأمره يوم يأمرك بالحجاب فحجبت أهل بيتك امتثالاً لقول الله: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلاَبِيبِهِنَّ} [الأحزاب:٥٩]؟
الأسئلة كثيرة تتردد عليك صباح مساء، إن كان الجواب بنعم: فأنت من الناجحين الفائزين بإذن رب العالمين، وإن كان الجواب بلا.
فعُدْ إلى الله ما دمت في زمن الإمهال، واندم وأقلع وردّ المظالم لأهلها قبل وضع الميزان، وتطاير الصحف، وعبور الصراط يوم ينسى الخليل خليله، والصاحب صاحبه، وكلٌ يقول: نفسي نفسي، والرسل تقول: اللهم سلِّم سلِّم.
أيها المُمْتَحِن -وكلنا مُمْتحَن-: تذكر وقوفك لاستلام النتيجة؛ يوم يوقف العبد بين كفتي الميزان، ويوكل به ملك، فإن ثقل ميزانه نادى بصوت يسمع الخلائق: لقد سعد فلان بن فلان سعادة لا يشقى بعدها أبداً.
ذاك هوالنجاح، عندها يطرب ويفرح ويقول: {هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيَه} [الحاقة:١٩].
وإن خفَّ ميزانه نادى المَلك بصوت يُسْمع الخلائق: لقد شقي فلان بن فلان شقاوة لا يسعد بعدها أبداً.
فذاك هوالرسوب، عندها يقول: {يَا لَيتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَه} [الحاقة:٢٥].
لا إله إلا الله! ما عساك فاعل يوم ينادى باسمك يا فلان بن فلان هلم إلى العرض على الله؟ قمت ولم يقم غيرك يا لضعفك! يا لشدة خوفك! يا لخفقان قلبك! يوم تقف بين يدي الملك الحق المبين، وبيدك صحيفة لا تغادر صغيرة ولا كبيرة.
يا لله لك! يوم تقرأ صحيفتك بلسانٍ كليل وقلبٍ كسير وحياءٍ من الله عظيم، بأي لسان تجيبه حين يسألك عن عملك القبيح؟
بأي لسان تجيب يوم يسألك -يا أيها الممتحن- عن عمرك فيما أفنيته، وشبابك فيما أبليته، ومالك -يا من جعلت الربا والفوائد عنواناً له- من أين اكتسبته، وفيما أنفقته؟ وعن علمك ماذا عملت فيه؟ بأي قدمٍ تقف غداً بين يديه؟ بأي عين تنظر إليه؟ بأي قلب تجيب عليه؟ ما تقول له إذا قال لك: يا عبدي ما أجللتني؟ أما استحييت مني؟ أما راقبتني؟ أستخففت نظري إليك؟ ألم أحسن إليك؟ ألم أنعم عليك؟
عندها تكاد تسقط فروة وجهك حياء من الله، فكيف بك إن شقيت؟
فيا أيها الممتحنون غداً -وكلنا ممتحن-: لمثل هذه المواقف فأعدوا، وتذكروا بامتحان الدنيا وقوفكم بين يدي المولى، استعدوا وأعدوا وتزودوا وخير الزاد التقوى.
جد واتعب -أيها الطالب- وانصب، فوالذي نفسي بيده! لن تجد طعم الراحة إلا عند أول قدم تضعها في الجنة:
فانتبه من رقدة الغفلة فالعمر قليل واطرح سوف وحتى فهما داء دخيل
أفق قد بنى الموت الذي ليس بعده سوى جنة أو حر نار تضرم
وتشهد أعضاء المسيء بما جنى كذاك على فِيهِ المهيمن يختم
فاتق الله وقًصِّر أملاً ليس في الدنيا خلود للملا
ألا وصلوا وسلموا على نبيكم محمد فقد أمرتم بالصلاة عليه: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:٥٦].
اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وأهله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم دمر أعداء الدين.
اللهم انصر عبادك الموحدين.
اللهم أصلح من في صلاحه صلاح للإسلام والمسلمين، وأهلك من في هلاكه صلاح للإسلام والمسلمين.
اللهم آمنا في دورنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا في عهد من خافك واتقاك واتبع رضاك برحمتك يا أرحم الراحمين!
اللهم من أراد الإسلام والمسلمين بسوء فأشغله بنفسه واجعل تدبيره تدميره، واجعل الدائرة عليه، واجعل كيده في نحره، وزلزل الأرض من تحت قدميه، اللهم لا ترفع له راية واجعله لمن خلفه آية، يا كريم! يا قوي! يا جبار!
اللهم برحمتك اغفر لجميع موتى المسلمين الذين شهدوا لك بالوحدانية ولنبيك بالرسالة وماتوا على ذلك.
اللهم اغفر لهم وارحمهم وعافهم واعف عنهم وأكرم نزلهم ووسع مدخلهم واغسلهم بالثلج والماء والبرد.
اللهم ارحمنا برحمتك إذا ما صرنا إلى ما صاروا إليه، اللهم آنس وحشتنا في القبور، وآمن فزعنا يوم البعث والنشور.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.