التاسعة: كن أحزم من قرلى؛ والقرلى: طائر مائي ذو حزم لا يُرى إلا حذراً على وجه الماء؛ عين في الماء طمعًا، وعين في السماء حذرًا، ولذلك تقول العرب في المثل: كن أحزم من قرلى؛ إن رأى خيرًا تدلى، وإن رأى شرًا تولى.
ومن الحزم ترويض النفس على الخير حتى تعتاده وتألفه، ومن الحزم منع النفس هواها وعدم الرضا بالدون دون علاها وما يزكيها؛ فإن في النفس -كما يقول ابن القيم - من أخلاق البهائم حرص الغراب، وشَرَه الكلب، ورعونة الطاوس، ودناءة الجعل، وعقوق الضب، وحقد الجمل، وصولة الأسد، وفسق الفأرة، وخبث الحية، وعبث القرد، وجمع النملة، ومكر الثعلب، وخفة الفراش، ونوم الضبع، ووثوب الفهد، غير أن الحازم بالمجاهدة يُذهب ذلك كله بإذن ربه:{وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى}[النازعات:٤٠ - ٤١] ليس من الحزم بيع الوعد بالنقد، وليس من الحزم جزع من صبر ساعة مع احتمال ذل الأبد.
إن من يشتري الخسيس بالنفيس، ويبيع العظيم بالحقير، إنما هو سفيه لا يعرف الحزم، ولا الحزم يعرفه، عينه عين هوى، وعين الهوى عين عمياء.
إذا المرء أعطى نفسه كل ما اشتهت ولم ينهَها تاقت إلى كل مطلب
بعضنا أكبر همه ومبلغ علمه لقمة وشربة ولباس ومركب؛ مطعم شهي، وملبس دفي، ومركب وطي، قد رفع راية:
إنما العيش سماع وندامى ومدام
فإذا فاتك هذا فعلى الدنيا السلام
هوان لا يعرف الحزم، وذلة لا تعرف العز، عار ينكره الحر والأسد، ويألفه الحمار والوتد.
إن الهوان حمار البيت يألفه والحر ينكره والفيل والأسد
ولا يقيم بدار الذل يألفها إلا الذليلان عير الحي والوتد
هذا على الخسف مربوط برمته وذا يُشج فما يأوي له أحد