لقد بكت العرب والله في جاهليتها قبل إسلامها العقوق، وتوجعت له، وتظلمت، وتبرمت، واشتكت إلى بارئها منه.
في السير أن أعرابياً وفد على بعض الخلفاء وهو يبكي، فقال الخليفة: ما بك؟ قال: أصبت في ولدي بأعظم من كل مصيبة.
قال: وما ذاك؟ قال: ربيت ولدي، سهرت لينام، وأشبعته وجعت، وتعبت وارتاح، فلما كبر وأصابني الدهر واحدودب الظهر تغمط حقي، ثم بكى بكاء مراً وقال:
وربيته حتى إذا ما تركته أخ القوم واستغنى عن المسح شاربه
تغمط حقي ظالماً ولوى يدي لوى يده الله الذي هو غالبه
فبكى كل من في مجلس الخليفة، وحق لكل عين بكاها.
وفي السير في أسانيد فيها نظر ما معناه:{أن رجلاً وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يبكي فقال: ما بك؟ قال: مظلوم يا رسول الله، قال: من الذي ظلمك وأنت شيخ كبير فقير؟ قال: ابني ظلمني، قال: كيف ظلمك؟ قال: ربيته فلما كبر وضعف بصري ورق عظمي ودنا أجلي تغمط حقي وظلمني وقابلني بالغلظة والجفاء وأخذ كل مالي، فدمعت عيناه صلى الله عليه وسلم} وحق للقلوب اللينة وللعيون الرقراقة أن تدمع لهذه المآسي التي وجدت في بلاد الإسلام، والتي شكت قلوب الوالدين إلى بارئها هذا الظلم الفظيع، وهذا الجرم الشنيع، هل أظلم وأكبر وأشنع من أن تربي ابنك، فإذا قوي واشتد ساعده، صائلٌ أصبح في مصاف الرجال، عندما أعطيته شبابك وزهرة عمرك ولذة روحك وشجى نفسك رد عليك الجميل منكراً، وأتى فإذا صوته صائلٌ في البيت لا يجيب لك دعوة، ولا ينفذ لك أمراً، ولا يخفض لك جناحاً، يطيع زوجه ويعصيك، ويدني صديقه ويبعدك، إنها -والله- مأساة ما بعدها مأساة.