[أمثلة توضح أهمية الكلمة الطيبة]
هاهو أعرابي -كما يُروى- يدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بين أصحابه فيمسكه بتلابيبه، ويهزُّه ويقول: {أعطني من مال الله الذي أعطاك، لا من مال أبيك ولا من مال أمك، فيقوم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم يريدون أن يؤدبوا من يعتدي على شخص محمد صلى الله عليه وسلم، فيقول: على رِسلكم، المال مال الله}.
أو كما قال صلى الله عليه وسلم، ثم يأخذ هذا الأعرابي ويداعبه، ويلاطفه، ويذهب به إلى بيته صلى الله عليه وسلم، فيقول: {خذ ما شئت ودع ما شئت} لكن ماذا يأخذ من بيت محمد صلى الله عليه وسلم، بيت لا توقد فيه النار شهرين ولا ثلاثة أشهر، بيت لم يشبع أهله من خبز الشعير، ولم يشبعوا من دَقَل التمر ورديء التمر، بيت يأتي السائل يسأل فلا يوجد -يوماً من الأيام- فيه سوى عنبة، وفي يوم من الأيام لا يوجد في بيته صلى الله عليه وسلم سوى تمرة واحدة، لكنه خير بيت وجد على وجه الأرض، بأبي وأمي صاحب ذاك البيت صلى الله عليه وسلم، ما ملك الأعرابي إلا أن قال: {أحسنت وجزاك الله من أهل وعشيرة خيراً.
قال: إن أصحابي قد وجدوا عليك -أو كما قال صلى الله عليه وسلم- فاخرج إليهم، وقل لهم ما قلت لي الآن، فخرج، وجاء إليهم، فقال صلى الله عليه وسلم: هل أحسنت إليك يا أعرابي؟ قال: نعم وجزاك الله من أهل وعشيرة خيراً، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشد أنك لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال صلى الله عليه وسلم: إنما مثلي ومثلكم ومثل هذا الأعرابي كرجل كانت له دابة فنفرت منه، فذهب يُطاردها، فجاء الناس كلهم وراءه يطاردون؛ فما ازدادت الدابة إلا نفاراً وشراداً، فقال: دعوني أنا ودابتي، أنا أعلم بدابتي، فأخذ من خشاش الأرض ولوَّح به لهذه الدابة؛ فما كان منها إلا أن انساقت إليه، وجاءت إليه، فأمسك بها.
أما إني لو تركتكم على هذا الأعرابي لضربتموه، فأوجعتموه؛ فذهب من عندكم على كفره، فمات، فدخل النار}.
أرأيتم الكلمة الطيبة يا أيها الأحبة؟
فلا إله إلا الله! لا أفضل من دفع السيئة بالحسنة، إنها آسرة القلوب والأرواح، إنها مُسْتلة الأضغان والأحقاد والسخائم من القلوب: {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [فصلت:٣٥].
المؤمن الحق -يا أيها الأحبة- كالشجرة المثمرة، كلما رُجمت بالحجارة أسقطت ثمراً طيباً؛ فيا له من قمة! ويا لها من مُثل!
هاهو يهودي معه كلب -واليهود لطالما استفزوا المسلمين يريدون أن يوقعوهم في شَرَكِهم- يمر على إبراهيم بن أدهم عليه رحمة الله ذلكم المؤمن، فيقول له: ألحيتك -يا إبراهيم - أطهر من ذنب هذا الكلب، أم ذنب الكلب أطهر من لحيتك؟
فما كان منه إلا أن قال -بهدوء المؤمن الواثق بموعود الله عز وجل-: إن كانت في الجنة فهي أطهر من ذنب كلبك، وإن كانت في النار لذنب كلبك أطهر منها.
فما ملك هذا اليهودي إلا إن قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، والله ما هذه إلا أخلاق الأنبياء: {وَلاَ تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلاَ السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَآ إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [فصلت:٣٤ - ٣٥].
أقول هذا لعموم الناس، أما نحن -الدعاة وطلبة العلم والمفترض في الحاضرين أن يكونوا طلبة علم- ليس لنا أن ننزل عن مستوى دعوتنا إلى التراشق برديء الكلام، ليس لنا أن ننزل إلى سفاسف الأمور، ولو حاول غيرنا جرَّنا إلى هذه الأمور، ليكن تحركنا ذاتياً، فلا يحركنا غيرنا؛ لئلا نُجرَّ إلى معارك وهمية خاسرة -ولا شك- ثم علينا ألا نغضب لأنفسنا، بل علينا أن نسمو بأنفسنا، عن كل بذيء، وعن كل ساقط.
لَو كلُ كلبٍ عَوى أَلقَمته حجراً لأَصبحَ الصخرُ مثقالاً بِدِينار
ومنْ عاتبَ الجُهَال أتعب نفسه ومنْ لام مَنْ لا يعرف اللوم أفسدَا