[رجال تنافسوا علىالحور]
لهذا كله بادر المبادرون، وتنافس المتنافسون يوم سمعوا بما سمعوا من هذا الوصف، ماذا كان منهم يا عباد الله؟
أحدهم قال: لأشترين حورية من الحور العين بثلاثين ختمة للقرآن لا أنام حتى أختم هذه الثلاثين ختمة، ويختم تسعاً وعشرين فيغلبه النوم، فينام فيرى حورية من حوريات أهل الجنة تأتي فتركله برجلها، وتقول:
أتخطُبُ مثْلِي وعنِّي تَنَامُ ونومُ المُحبِّينَ عنِّي حَرَام
لأنا خُلِقْنَا لكلِّ امرئٍ كَثيرِ الصلاةِ كثيرِ القِيام
فقام بعدها، وأكمل ذلك واجتهد، وقال: برحمة الله لأجتهدن إلى أن أنال هذه الحورية.
وأبو سليمان الداراني -عليه رحمة الله- ينام ليلة من الليالي، وهو عابد زاهد عبَد الله، وأخلص لله، وصدق مع الله، يمني نفسه بما في الجنة من نعيم، فيقول في ليلة من الليالي نائماً -والنفس أحياناً تحدث بما ترغب وبما تريد وبما تحب- قال: فرأيت -فيما يرى النائم- كأن حورية جاءتني، وقالت: ما هكذا يفعل الصالحون يا أبا سليمان؟! أتنام وأنا أربى لك في الخدور من خمسمائة عام؟!
لا إله إلا الله! فما نام بعدها إلا قليلاً؛ جد وطلب ليلحق بها.
وأبو سليمان كانت له رحلة الحج المعروفة، والتي ذكرها صاحب حادي الأرواح -عليه رحمة الله- يقول: رافقه شاب عراقي في طريقه إلى الحج، قال: فما رأيت هذا الشاب إلا باكياً أو تالياً أو مصلياً؛ نركب فيتلو القرآن، ننزل فنصلي فيصلي، ويذكر الله، لا يتكلم بكلام إلا بذكر الله أو بالصلاة والقيام، قال: فقلت: لا أسأله ولا أشغله، وعندما رجعنا من رحلة الحج، ووصلنا إلى بلاد العراق.
قال: قلت له: أيها الشاب أسألك بالله؛ ما الذي هيَّجك على العبادة لا تفتر عنها؟
قال: يا أبا سليمان! أما إن سألتني؛ فإني رأيت -فيما يرى النائم- حورية في قصر من ذهب، وقصر من فضة، له شرفتان من زبرجد وياقوت، وبينهما هذه الحورية مرخية شعرها لم أرَ جمالاً كذاك الجمال، وهي تقول لي: جِدّ إلى الله في طلبي؛ فإني أربى لك في الخدور من خمسمائة عام، فوالله برحمة الله! وأقسم على الله برحمته! لأجتهدنَّ حتى أصلها أو أهلك دونها.
والله! لا أرتاح حتى أبلغ تلك المنزلة.
هيَّجهم ذكر الجنة إلى الجنة، طيَّرت الجنة نوم العابدين من جفونهم، فتركوا الفراش، واتجهوا إلى الله في أسحارهم وفي لياليهم: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} [السجدة:١٦] يبيتون لربهم سجداً وقياماً.
يأتي أحدهم، فيفرش فراشه، ثم يضع يده عليه، ويقول: والله! إنك لَلَيِّنٌ، لكن فراش الجنة ألْيَن، فيقوم ليله كله لا ينام.
هكذا -يا عباد الله- جَدُّوا إلى الله؛ لأنهم علموا ما عند الله.