[تلذذ المنافقين بلمز المؤمنين]
يقول الحق تبارك وتعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُهِيناً * وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً} [الأحزاب:٥٧ - ٥٨]
ها هو صلى الله عليه وسلم يقارب الأربعين من عمره ذاهب إلى الغار، ما يمر بشجر ولا حجر إلا سلم عليه صلى الله عليه وسلم، ويأتيه جبريل بالوحي فيعود فزعاً خائفاً إلى زوجه خديجة رضي الله عنها وأرضاها يقول: {زملوني زملوني} فزملوه حتى ذهب عنه الروع، وأخبر خديجة بالأمر، وقال: {قد خشيت والله على نفسي} قالت: [[كلا والله لا يخزيك الله أبداً إني لأرجو أن تكون نبي هذه الأمة]].
ذهبت به إلى ابن عمها ورقة بن نوفل وقد قرأ الكتب السابقة فأخبرته الخبر فقال: [[هذا هو الناموس الذي أنزل على موسى، يا ليتني فيها جذعاً، يا ليتني أكون حياً إذ يخرجك قومك]] قال: {أَوَمُخرِجِيَّ هم} قال: [[نعم.
ما أتى أحد بمثل ما جئت به إلا عودي]] والآن.
أرى خلل الرماد وميض جمر وأخشى أن يكون لها ضرام
أقول هذا في وقت لا نزال نسمع عن كثير ممن قل حظهم من مراقبة الله وخشيته والخوف منه، ونسوا حظاً مما ذكروا به، لا تحلوا لهم مجالسهم، ولا يطربون في حديثهم، ولا ينبسطون في جلساتهم حتى يتناولوا أعراض عباد الله القائمين بأمر الله من علماء الأمة، ودعاة الملة، ورجال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، من الذين جردوا سواعدهم لرفع راية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والذين بذلوا أوقاتهم وأنفسهم لله عزَّ وجلَّ في وقت خرست فيه الألسن، قالوا وقد سكت الناس، ونطقوا وقد خرست الألسن، وجاهدوا في وقت ركن فيه كثير من الناس إلى الدعة والسكون، وأخلدوا إلى الحياة الدنيا وملذاتها، وتسابقوا إلى الوظائف والمناصب، ومع ذلك فقد قام هؤلاء المخلصون بأمر الله؛ لا يبتغون إلا رفعة وإعلاء كلمة الله، ودحر الباطل وأهله من أعداء الله.
تجد هؤلاء الفسقة بل كثير منهم يسارع إلى تناول أعراض الدعاة وتتبع عوراتهم، والتلذذ بالحديث عنهم في المجالس، يلمز هذا، ويتكلم في عرض هذا، ويردد ما أشيع عن هذا، لم تتورع ألسنة بعض هؤلاء من اختلاق الأكاذيب وإلصاق التهم بهم، وترديد بعض الأباطيل التي تلصق بهم، والتي هي -والله- من اختلاق أعداء الإسلام وخصومه الذين تتقطع قلوبهم غيظاً وهم يرون راية الدعوة إلى الله ترفع في هذه البلاد؛ لأن هؤلاء المحتسبين من الدعاة والعلماء يُقِضُّون مضاجعهم، ويفسدون عليهم ملذاتهم وسكرهم وعربدتهم وفجورهم، ودعوتهم إلى منكرهم؛ ولهذا فإن كثيراً من هؤلاء يلفق التهم والأكاذيب ليرميهم بها، فيتلقفها خفاف الأحلام والسذج من الناس، ويطيرون بها فرحاً يبلغون بها الآفاق
أقلوا عليهم لا أباً لأبيكم من اللوم أو سدوا المكان الذي سدوا
لكن لا ضير ولا ريب، هذه هي سمة الدعوة إلى الله عزَّ وجلَّ، أوذي صلى الله عليه وسلم؛ وقيل عنه بأنه ساحر، وقيل عنه بأنه كاهن، وقيل عنه بأنه مجنون، ورمي في عرضه صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك أتم الله النور وأكمل الدين رغم أنف الكفار والمشركين والمنافقين، خرجت فئة المنافقين يوم عز الإسلام تدعي الإسلام وهي منه براء، تريد ضرب الإسلام ودعاته؛ فاتخذت النفاق طريقاً وياله من طريق موحش مظلم مبتور، إنه مرض عضال، ومقت ووبال، من تلبس به فقد أغضب الله الواحد القهار، وأسكن نفسه الدرك الأسفل من النار.
لا إله إلا الله! ماذا فعل المنافقون والمغرضون والحاقدون بالإسلام ودعاته في الماضي والآن! لا إله إلا الله كم كادوا لرسول الأنام عليه الصلاة والسلام؛ هم في كل عصر يعيشون، يعشعشون ويبيضون ويفرخون، همهم إطفاء كل نور يدعي له المسلمون.
تهاونوا بنظر الله تعالى، وعملوا من المنكر أعمالاً.
في المنكرات والصد عن سبيل الله ينشطون، وعن الصالحات والدعوة إلى سبيل الله يتباعدون: {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} [البقرة:١٠] {يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً} [النساء:١٤٢] يستهزئون بأهل الاستقامة والصلاح، ومن الدعاة إلى الله يضحكون، وإذا مروا بهم يتغامزون، فالله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون.
لا يريدون أن يتكلم داعية، لا يريدون أن يأمر بمعروف ولا ينهى بناهية، لا يريدون علماً ولا دعوة ولا أن تقام ولو محاضرة.
لا إله إلا الله ما أخس وأنذل حالهم! إن سألتهم عن آيات الله البيانات ما عرفوا إلا المغنيين والممثلين والراقصات أحياءهم وأمواتهم، يدّعون الإيمان وما هم بمؤمنين، هم في كل عصر يعيشون يرمون بالتهم وبالأكاذيب دعاة الإسلام، رموا نبي الله موسى قبل نبينا عليهما الصلاة والسلام بالزنا فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيهاً، ورموا رسول الله صلى الله عليه وسلم في عرضه، وهم أصحاب الإفك في عهد المصطفى صلى الله عليه وسلم، وهم هم في كل زمان ومكان بهذا الدور يقومون، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها سيوجدون، فقاتلهم الله أنى يؤفكون.