[ضرورة اتباع الحق]
علمتني الحياة في ظل العقيدة: أن أحب الحق وفلاناً ما اجتمعا، فإذا افترقا كان الحق أحب من فلان ومن نفسي ومالي وأهلي وولدي والناس أجمعين:
لأنَّني مولعٌ بالحقِ لستُ إلى سواه أنحو ولا في نصره أَهِنُ
دعهم يعضوا على صمِّ الحصى كمداً مَنْ مات منهم له كفنُ
هاهو سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وأرضاه يستجيب لدعوة الهدى والحق، فيكون ثالث ثلاثة أسلموا، لكن إسلامه لم يمر هيناً سهلاً، وإنما تعرض الفتى لتجربة من أقسى التجارب، أنزل الله في شأنها قرآناً يُتلى.
لما سمعت أمه بخبر إسلامه ثارت ثائرتها، يقول: وكنت فتى باراً محباً لها، فأقبلت تقول: يا سعد! ما هذا الدين الذي اعتنقته فصرفك عن دين آبائك وأجدادك؟ لتتركن هذا الدين أو لأمتنعن عن الطعام والشراب حتى أموت، فيتفطر قلبك حزناً عليَّ، ويأكلك الندم على فعلتك التي فعلت، ويعيرك الناس بها أبد الدهر، قال: قلت: يا أماه! لا تفعلي فأنا لا أدع ديني لشيء.
لكنها نفذت وعيدها وامتنعت عن الطعام والشراب أياماً، كان يأتيها ويسألها أن تتبلغ بقليل من طعام أو شراب فترفض ذلك، فما كان منه ذلك اليوم إلا أن جاءها وقال: يا أماه! إني لعلى شديد حبي لك أشد حباً لله ورسوله، والله! لو كانت لك ألف نفس فخرجت منك نفساً بعد نفس ما ارتددت عن ديني، فكلي أو دعي.
فلما وضعها أمام هذا الأمر ما كان منها إلا أن أكلت على كره منها، فأنزل الله عز وجل فيه وفيها: {وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً) [لقمان:١٥].
وهاهو الإمام مالك، يأتيه رجل يستفتيه، وهو في حلقة العلم في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيدخل هذا الرجل إليه، ويقول: يا إمام! قد قلت لزوجتي: أنت طالق إن لم تكوني أحلى من قمر، ففكر الإمام قليلاً، ثم قال: ليس هناك أحلى من القمر، فهذه طلقة، ولا تعد لذلك.
وكان تلميذه الشافعي يجلس إلى سارية من السواري، ولم يدرِ ما الذي حدث بينهما، وكان حريصاً على طلب العلم، فلحق بهذا الأعرابي، وقال له: ما السؤال؟ وما الإجابة؟ -يريد أن يستفيد فائدة- قال: قلت للإمام كذا وكذا، فقال: القمر أحلى من زوجتك، فزوجتك قد طلقت طلقة.
فقال الإمام الشافعي له: بل زوجتك أحلى من قمر.
قال: أوقد رأيتها؟! وكانوا ذوو غَيْرة؛ فاغتاظ منه، قال: لا.
ألم تسمع قول الله جل وعلا: {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ * وَهَذَا الْبَلَدِ الأمِينِ * لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِيَ أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [التين:١ - ٤] فخَلْقُ الإنسان أحسن خلق، وأقوم خلق، وأعدل خلق.
قال: إذاً نرجع إلى الإمام مالك.
قال: نرجع إليه.
فرجعوا إلى الإمام مالك.
فأخبروه بالخبر، فقال: الحق أحق أن يُتبع، أخطأ مالك وأصاب الشافعي.
فما أحوجنا إلى معرفة الرجال بالحق، لا العكس.
والحقُّ يعلو والأَباطل تسفل والحق عن أحكامه لا يُسألُ
وإذا استحالت حالة وتبدلت فالله عز وجل لا يتبدلُ