وذاك يغدو ليهلك نفسه، ويقسي قلبه، بسماع الغناء الماجن الذي حرمه الله -جلَّ وعلا- وقال فيه المصطفى صلى الله عليه وسلم:{ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف} فيشتري الغِناء ويشتري الخَنَا والفجور بماله، ثم يدخلها إلى بيته لينشر الرذيلة فيه ليصبح أهل البيت بآذان لا تسمع، وقلوب لا تفقه، وأعين لا تبصر، بهائم في مسلاخ بشر:{ما من راع استرعاه الله رعية فبات غاشاً لهم إلا حرم الله عليه رائحة الجنة}.
وآخر يغدو لسماع آيات الله تقرع قلبه، فيلين قلبه، وتدمع عينه، ويطيع ربه، ويدِّخر الله له غناء ليس كهذا الغناء الماجن، غناء الحور العين في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر، كلمات الأغاني هي الآتية:
نحن الخالدات فلا يمتن نحن المقيمات فلا يظعن
نحن الراضيات فلا يسخطن نحن الناعمات فلا يبأسن
نحن الحور الحسان أزواج قوم كرام
طوبى لمن كان لنا وكنا له
ثم يرسل الله ريحاً على ذوائب أغصان أشجار الجنة، فتهزها فتحدث منها صفير صوت كل طير في الجنة، لو قضى الله الموت على أهل الجنة طرباً لماتوا طرباً، ولكن خلود ولا موت:
قال ابن عباس ويرسل ربنا ريحاً تهز ذوائب الأغصان
فتثير أصواتاً تلذ لمسمع الإنسان كالنغمات بالأوزان
يا خيبة الآذان لا تتبدلي بلذاذة الأوتار والعيدان
خابت أذن استبدلت كلام الله -عز وجل- بأغنية، خابت أذن استبدلت ما أعده الله لها من الغناء في الجنة بهذا الغناء الماجن.
فأي الغاديين أنت؟
فكل يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها.
فيا من غدا لإعتاق نفسه جد واجتهد، واغتنم زمن الصبا، وسل الله الثبات حتى الممات، وأكثر من قول: يا مقلب القلوب! ثبت قلبي على دينك.
ويا من غدا لإهلاك نفسه وإيباقها وأمهله الله؛ عُد إلى الله وتب إليه، بادر في فكاك رقبتك من النار فأنت في زمن الإمكان.