للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[العبرة من القصص السالفة الذكر]

يا طالب العلم! ويا داعية الإسلام! كن على جادتهم وإن أبطأ بك المسير، فإن قدوة القوم يرعى القافلة، أنت لا تملك نفسك، حتى يسوغ لك أن تمنحها إجازة.

يا من أنت الآن في إجازة: إنما أنت وَقْف لله، فإذا لمع لك فجر الأجر، فليهُن ظلام التكليف.

إذا ضاقت عليك قناة أو طريق، فشُق إلى البحر ألف طريق.

إذا أغلق عليك باب دون البحر، فافتح لك ألف باب، ولن تعدم وسيلة.

اعمل ولو ساعة، وللحقوق -ومنها التعلم- بقية الساعات، إذا بزغ لك نجم الهمة في ظلام ليل البطالة، فأردفه بقمر العزيمة؛ لتُشرق الأرض بنور ربها.

إنما أنت همة علية، ونفس تضيء، وهمة تتوقد.

أنت لا تعيش لنفسك، ويجب أن تقنع نفسك أنك لا تعيش لها، جِد تجد، ليس كمن سهر من رقد، هذا دبيب الليالي يُسارقك أنفاسك، وسلع المعالي غاليات الثمن، فانظر لنفسك، واغتنم وقتك، فالثواء قليل، والرحيل قريب، والطريق مخوف، والخطر عظيم، والعقبة كئود، والناقد بصير.

يا من قصد البحر بهمة! ائتِ الديار البكر، وارتد كل يوم منزل فضل، وخض ميدان التنافس، وائتِ بجديد، فإن قال لك البطالون الكُسالى: لو تفرغت لنا، فاقرع أسماعهم بصوت عمر بن عبد العزيز: وأين الفراغ؟ ذهب الفراغ، لا فراغ.

والله لا مُستراح للمؤمن إلا تحت شجرة طوبى.

أحبتي في الله: إن النفس الإنسانية لابد أن تتحرك، فإذا هي كفت عن الشر، ولم تتحرك للخير، بقى فيها فراغ وخواء، قد يردها إلى الفساد، فالعبد سائر لا واقف، فإذا سار فإما إلى فوق وإما إلى تحت، وإما إلى الإمام وإما إلى الوراء، ليس هناك وقوف ألبتة، إنما هي مراحل تُطوى إلى الجنة، مُسرع ومُبطئ، ومُتقدم ومتأخر: {لِمَن شَاءَ مِنكُمْ أَن يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ} [المدثر:٣٧]

كُلُّ نَفسٍ سَوفَ تَلقَى فِعلَهَا وَيحَ نَفسٍ بِهَواهَا شُغِلَتْ

والله! لا تتم حقيقة الإيمان في القلب حتى يتعرض القلب للمجاهدة في هذا الدين، بدءاً من كراهية الباطل، إلى السعي في الإصلاح، إلى نقل الناس من الغواية إلى الهدى.

إنها باختصار: الدعوة إلى الله، التي تغير ماهية الشيء، فتجعل من الرجل غير الرجل، ومن القلب غير القلب، تجعل صاحبها كالنحلة؛ لا تأكل إلا طيباً، ولا تُخرج إلا طيباً، وإن وقفتْ على عود نخر لم تكسره، بل مثل النخلة؛ ما أخذت منها من شيء نفعك.

ونتيقن ونجزم -أيها الأحبة- أن في الزوايا خبايا، وفي الرجال بقايا، ولا يعرف قدر الرجال إلا الرجال، والهمم المَنُوطة بالرجال عظام، و:

عَلى قَدرِ أَهلِ العَزمِ تَأتِي العَزَائِمُ وَتَأتِي عَلى قَدرِ الكِرَامِ المَكَارِمُ

وَتَعظُمُ فِي عَينِ الصَّغِيرِ صِغَارُهَا وَتَصغُرُ فِي عَينِ العَظِيمِ العَظَائِمُ