[دروس من صلح الحديبية]
صورة أخرى: في صلح الحديبية صعب على المسلمين تلكم الشروط التي تدولت في ذلك الصلح، كما أورد ذلك ابن إسحاق في السيرة وكما هو في الصحيح.
وكان من هذه الشروط: إن جاء من قبل المشركين مسلماً رد عليهم، عندها قال المسلمون: سبحان الله! كيف يرد إلى المشركين من جاء مسلماً، وبينما هم كذلك إذ جاء أبو جندل بن سهيل يرسف في قيوده، فضرب أبوه وجهه وأخذ بتلابيبه -أبوه سهيل مشرك- وضرب وجهه، وقال: يا محمد! هذا أول من أقاضيك عليه أن ترده، فقال صلى الله عليه وسلم: إنا لم نكتب الكتاب بعد، قال: فوالله لا أصالحك على شيء أبداً.
فوافق صلى الله عليه وسلم على رجوع أبي جندل إلى المشركين، وأبو جندل يصرخ بأعلى صوته، يا معشر المسلمين! أورد إلى المشركين وقد جئت مسلماً، ألا ترون ما لقيت، وقد عذب في ذات الله عذاباً شديداً، فازداد الناس غماً على غم، وهماً على هم، ثم قال صلى الله عليه وسلم -كما روي- لـ أبي جندل: {يا أبا جندل اصبر واحتسب فإن الله جاعل لك ولمن معك من المسلمين فرجاً ومخرجاً إنا قد أعطيناهم عهد الله ولن نغدر بهم}
لم يتحمل عمر الموقف، رأى أن الموقف موقف ذلة، وما أدرك تحت وطأة غضبه أن رسول الله نبي يوحى إليه، وأن ذلك الصلح فتح من الله مبين، لكن العباد يعجلون والله لا يعجل لعجلة العباد، حتى تبلغ الأمور ما أراد، لم يستبن له الأمر فأبى إلا أن يعلن عن نفسه عمر حتى يجد الحق الذي يوجد بهما بكبده.
فأتى عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: {يا رسول الله! ألست نبي الله حقاً؟ قال: بلى.
قال: أولسنا بالمسلمين؟ قال: بلى.
قال: ألسنا على الحق وهم على الباطل؟ قال: بلى.
قال: أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار؟ قال: بلى.
قال: فعلامَ نعطي الدنية في ديننا؟ ونرجع ولما يحكم الله بيننا؟ فقال صلى الله عليه وسلم: إني رسول الله ولست أعصيه وهو ناصري.
قال عمر: أولست كنت تحدثنا أنا نأتي البيت فنطوف به؟ قال: بلى.
أفأخبرتك أنك تأتيه العام؟ قلت: لا، قال: فإنك آتيه ومطوف به} أخرجه البخاري.
ثم أتى عمر أبا بكر رضي الله عنه، فقال: [[أوليس رسول الله؟ أولسنا بالمسلمين؟ أولسنا على الحق؟ أوليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار؟ قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه، وقد استحق أن يكون الصديق، قال: يا عمر! إنه رسول الله وليس يعصي ربه وهو ناصره، الزم غرزه حتى تموت فوالله إنه على الحق، أشهد أنه رسول الله، فيقول عمر: وأنا أشهد أنه رسول الله، يقول عمر: والله ما زلت أتصدق وأصلي وأصوم وأعتق مخافة محاورتي واعتراضي على كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم]] وفي صحيح البخاري يقول: [[ولقد عملت والله لذلك أعمالاً]] أي: أعمالاً صالحة عظاماً.