من عوامل بناء النفس: التقرب إلى الله عز وجل- بما يحب من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة، وخير ما تقرب به المتقرِّبون إلى الله الفرائض التي فرضها الله جل وعلا، وعلى رأس هذه الفرائض توحيد الله جل وعلا وإفراده بالعبادة وحده لا شريك له، ثم إن في النوافل لمجالاً واسعاً عظيماً لمن أراد أن يرتقي إلى مراتب عالية عند الله تبارك وتعالى، وفضل الله واسع يؤتيه من يشاء.
يقول صلى الله عليه وسلم، فيما يرويه عن ربه، كما في البخاري:{وما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحب إليَّ مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه؛ فإذا أحببته، كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينَّه، ولئن استعاذني لأًعيذنَّه} ومن فضل الله جل وعلا علينا أن جاء هذا الدين بعبادات شتى تملأ حياة المسلم في كل الظروف والأحوال؛ بالليل والنهار، بالقلب والبدن؛ فهناك السنن القولية، والسنن الفعلية والقلبية التي يعتبر أداؤها من أهم عوامل بناء النفس؛ من قيام ليل، وصيام تطوع، وصدقة، وقراءة قرآن، وذكر لله آناء الليل وأطراف النار، ولاشك أن هذه العبادات تقوِّي الصلة بين العبد وبين ربه، وتوثِّق عُرى الإيمان في القلب؛ فتنبني النفس وتزكو بها، وتأخذ من كل نوع من العبادات المتعددة بنصيب؛ فلا تَملُّ ولا تَسْأَمُ.
لكن علينا أن ننتبه في هذه القضية إلى أمور:
أولاً: الحذر من تحول العبادة إلى عادة؛ لأن البعض يأْلَف بعض العبادات حتى يفقد حلاوتها ولذَّتها؛ فلذلك تراه لا يستشعر أجرها، فتصبح العبادة حركة آلية لا أثر لها في سَمْتٍ أو قول أو عمل أو بناء.
ثانياً: الحذر من الاهتمام بالنوافل على حساب الفرائض؛ لأن البعض يُخطئ، فيهتم بالأدنى على حساب الأعلى -وما في العبادات دنيء- فيقوم الليل -مثلاً- ثم ينام عن صلاة الفجر، فليكن لك من كل عبادة نصيب، وعلى حسب الأهمية؛ كالنحلة تجمع الرحيق من كل الزهور، ثم تخرجه عسلاً مصفًّى شهياً سائغاً لذة للآكلين.
ثالثاً: إذا تعارض واجب ومستحب؛ فالواجب مقدَّم ولا شك.
رابعاً: التركيز على أعمال القلوب، وتقديمها على أعمال الجوارح؛ فالقلوب هي محل الفكر، ومحل التدبُّر، ومحل العلم، والقلب مع الجوارح -كما تعلمون- كالملك مع الجنود:{ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله؛ ألا وهي القلب}.