هاهو أحد الساقطين الذين بنوا أنفسهم على شفا جرف هار فانهار بهم، إنه جبلة ملك غسان، أسلم وجاء المدينة في موكب عظيم بحاشيته وجنده، ففرح المسلمون بإسلامه كثيراً، فخرجوا للنظر فيه وفي موكبه، فإذا الخيول معقودة أذنابها، وسلاسل الذهب في أعناقها، وعلى رأسه التاج المُرَصَّع بالجوهر، وذهب إلى مكة وجعل يطوف بالبيت، وبينما هو يطوف إذ وطئ رجل فزاري إزاره، فلطم جبلة الفزاري فهشم أنفه، فشكاه الفزاريُ إلى عمر رضي الله عنه وأرضاه.
فبعث عمر إلى جبلة فأتاه، فقال له عمر: ما هذا؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، إنه تعمد وطأ إزاري فلطمته، ولولا حرمتك لضربت ما بين عينيه بالسيف، فقال عمر: قد أقررت على نفسك بما فعلت؛ فإما أن تُرضي الرجل، وإلا أقتص له منك بهشم أنفك كما فعلت به.
قال: وكيف ذلك وهو سوقة، وأنا ملك؟ قال عمر رضي الله عنه: الإسلام سوَّى بينكما.
فلم يرَ جبلة مخرجاً إلا بإعطائه مهلة، فطلب مهلة إلى الغد ليلوذ بالفرار ليلاً؛ ويرتدَّ عن دينه، ولو علم الله فيه خيراً لأسمعه، سقط عند أول امتحان؛ لأن البناء لم يؤسَّس على تقوى، وإنما أُسِّس على شفا جُرُفٍ هارٍ.