فإلى صورة رجل من أولئك الأخيار، رجل عظيم القدر رفيع المنزلة، عَبَدَ الله متأسياً برسول الله، وجاهد في الله، وأنفق كل ماله في سبيل الله، نصر الرسول يوم خذله الناس، وآمن به يوم كفر به الناس، وصدقه يوم كذبه الناس، جهل فعله الكثير من أبناء المسلمين، بخسوه حقه، وهضموه منزلته، ولم يقدروه قدره، بعض أجيالنا يعرف عن مغنية أو ممثلة أو تافهٍ رخيص أو ساقط أو ساقطة أكثر مما يعرفون عن هذا العلم، تجاهله لا أقول حتى العامة بل تجاهله الخطباء والوعاظ والكتاب، ربما لأنه عظيم بجوار من هو أعظم، وكريم بجوار من هو أكرم، فطغت عظمة صاحبه وقدره ومنزلته على عظمته وقدره ومنزلته.
إنه أفضل الصحابة، ما طلعت الشمس ولا غربت بعد النبيين والمرسلين على خير منه، إنه أول من آمن من الرجال على الصحيح، إنه لو وزن إيمانه بإيمان الأمة لرجح إيمانه، إنه الورع الحيي، الحازم الرحيم، التاجر الكريم، صاحب الفطرة السليمة من أدران الضلال، لم يؤثر عنه أنه شرب خمراً قط، ولم يؤثر عنه أنه سجد لصنم قط، ولم يتعامل برباً قط، ولم يؤثر عنه كذبٌ قط، كان شبيهاً بالرسول صلى الله عليه وسلم، وأنعم به من شبه، رجل لا كالرجال وسيرة لا كالسير، إنه من لا يخفى عليكم، ولا على مثلكم من المؤمنين، إنه أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه، ولعن الله من أبغضه وعاداه.
إنه من دعي إلى الإسلام فما كبا ولا نبا ولا تردد، وإنما بادر إلى الإسلام وما تلبث وما تلعثم، وما كان لأصحاب الفطر السليمة أن يتلبثوا عن خير دعوا إليه، وكيف يتلبث وقد صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل البعثة، وعلم صدقه وأمانته وحسن سجاياه، وكرم خلقه، علم عدم كذبه على الخلق فكيف يكذب صلى الله عليه وسلم على الخالق، إذ كان لسان حال أبي بكر رضي الله عنه يوم دعي إلى الله من جانب رسول الله: ما جربت عليك كذبا.
أما لسان مقاله: فأشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، فتمتد يده إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم لتبايعه، فتكون أول يد تمتد إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم، فحسبي وحسبكم هذه الليلة أن نقف مع بعض صور من حياة هذا العلم، وقفة تذكر وتدبر وعظة وعبرة، في وقت نحن أحوج ما نكون فيه إلى سير هؤلاء، والحال في الغالب قد تسر العدو وتحزن الصديق، كل هذا ليعلم أن ما نحن فيه بسبب بعدنا عن منهج أبي بكر وغيره من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكل ذلك بما كسبت أيدينا ويعفو الله عن كثير، لنعلم أنه يوم توارى أمثال هذا الرجل ظهر الفساد، وتطاول الأقزام، ونطق الرويبضة.