معاشر المؤمنين: ممَّا لا شك فيه أن حقائق اليوم هي أحلام الأمس، وأحلام اليوم هي حقائق الغد، والضعيف لا يظل ضعيفاً أبد الآبدين، والقوي لا يظل قوياً أبد الآبدين:{وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ}[القصص:٥ - ٦].
إننا نملك إيماناً بنصر الله لنا، وثقةً بتأييده لنا، ويقيناً بِسُنة الله في إحقاق الحق وإبطال الباطل، ولو كره المجرمون، واطمئناناً إلى وعده الذي وعد به المؤمنين:{لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً}[النور:٥٥].
إنه وعد يَشْحَذُ الهِمَم، ويستثير العزائم، ويملأ الصدور ثقةً وإيماناً بأنَّ الدور لنا لا علينا، والتاريخ معنا لا علينا {إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ * وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ}[الصافات:١٧٢ - ١٧٣] سُنَّة الله رب العالمين: {لا تزال طائفة من أمتي -أي: أمة محمد صلى الله عليه وسلم- على الحق منصورة لا يضرها من خالفها}، {وليَبْلُغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين، بِعِزِّ عزيزٍ أو بِذُلِّ ذليل} كما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم.
فأنت -أيها المؤمن- أَجِير عند الله، كيفما أراد أن تعمل عملت، وقبضت الأجر، لكن ليس لك ولا عليك أن تتجه الدعوة إلى أي مصير، ذاك شأن صاحب الأمر لا شأن الأَجِير، وحسبك أن من الأنبياء من يأتي يوم القيامة ومعه الرجل، ومعه الرجلان، والثلاثة، ويأتي من ليس معه أحد:{لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ}[البقرة:٢٧٢]{إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ}[الشورى:٤٨].
وآية الآيات في هذا الدين أنَّه أشد ما يكون قوة، وأَصْلَب ما يكونُ عُوداً، وأعظم ما يكون رسوخاً وشموخاً، حين تنزل بساحته الأزمات، وتُحْدِق به الأَخْطار، ويَشْتَد على أهله الكُرَب، وتضيق بهم المَسَالك، وتُوْصَد عليهم المنافذ؛ حينئذٍ يحقق الإسلام مُعْجزته، يَنْبَعِث الجُثْمان الهامد، يتدفق الدم في عروق أبنائه ينطلق، ينتفض، يقول فَيُسْمِع، ويمشي فَيُسْرِع، ويضرب في ذات الإله فَيُوْجِع، فإذا النائم يصحو، وإذا الغافل يفيق، وإذا الجبان يَتَشجَّع، وإذا الضعيفُ يَتقوى، وإذا الشَّتِيت يتجمع، وإذا بهذه القطرات المتتابعة والمتلاحقة من هنا وهناك من جهود القلة تكون سيلاً عارماً، لا يقف دونه حاجز ولا سدّ.