يا مسلمون! إننا أمة تنطلق في توجهاتها وتوقعاتها من أحكام شريعتها، وصميم عقيدتها، ومبادئ دينها، ويمثل الإيمان بقضاء الله وقدره ركناً عظيماً من أركان إيماننا بربنا، يقول جل وعلا:{إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ}[القمر:٤٩] ويقول: {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً}[الأحزاب:٣٨] ما من حدث يحدث، ولا مصيبة تحصل في أرض الله، ولا في عباد الله إلا بقدر الله {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ}[الحديد:٢٢ - ٢٣] إن يقيننا بذلك يهون علينا مصائب الدنيا، ويجعلنا نشق طريقنا مع الأحداث بعقيدة قوية وعزيمة صادقة، والله ليست في المجتمعات البشرية كلها أمضى عزيمة ولا أقوى سكينة من المؤمن بأقدار الله جل وعلا، فهو يمضي فيما عزم عليه من الخير دون توقف أو تردد أو وجل، يقينه بأن كل ذرة في السماوات والأرض قد قدرها الله مبدأها ومعادها وأجلها، ونظامها، وعلاقتها بالكون وما فيه {لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ}[الحديد:٢٣].
المؤمن الحق يعلم أنه لن يأتيه إلا ما كتب له، فلا يعترض على قدر الله، بل يعمل ويجد ويصحح الأخطاء {ولا يلدغ مؤمن من جحر مرتين} أما الذين يقابلون هذه الأحداث بعقيدة مضطربة، وأفكار منهزمة، ومعنويات منهارة يمجدون المخلوق الضعيف وينسون الخالق القوي القادر، يتصيدون رضا الناس بسخط رب الناس، ينسون ربهم في حال الشدة والرخاء، يواقعون المعاصي في حال السراء والضراء، هؤلاء إنما يمكنون للعدو من أنفسهم، ويوجد في المسلمين اليوم من يستوي عنده الأمران، فأين الإيمان؟ أين العقيدة؟ هل أمنا مكر الله؟ {فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ}[الأعراف:٩٩]، ولا يأمن مكر الله إلا القوم الكافرون.
إن العدو الحقيقي الذي نخشاه هو من داخل أنفسنا بما كسبت أيدينا قبل أن يكون العدو الخارجي {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ * إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ}[الرعد:١٠ - ١١].
هل يعي المسلمون اليوم هذه الحقيقة؟!
هل يعودوا إلى قلوبهم فيصلحوها؟!
هل يعودوا إلى أنفسهم فيحاسبوها؟!
هل يعودون إلى أسرهم فيربوها؟!
لقد سمعنا مقولات، وطالعتنا صحف ومجلات، وأثقلت مسامعنا إذاعات بتوقعات وتحليلات لا تشم فيها رائحة الولاء لرب الأرض والسماوات، بل وجدت أفعال وتصرفات تبين حالة الرعب والفزع والهلع الذي حل بهؤلاء وأولئك، والله المستعان، وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم! أين الله؟!
أين التوكل على الله؟!
ماذا يغني الإعداد الغذائي في غياب الإعداد الإيماني؟
لا بأس بالإعداد الغذائي، لا نقول: لا تعدوا أنفسكم، لكن الإعداد الإيماني هو الغاية، وهو الحبل الذي يمدنا الله به:{وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ}[الزمر:٦١].