يروي لنا فضالة بن عبيد رضي الله عنه كما ثبت:{أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى بالناس يخرُّ رجالٌ من قامتهم بالصلاة من الخصاصة، وهم أصحاب الصفة، حتى يقول الأعراب: هؤلاء مجانين، فإذا صلى صلوات الله عليه، انصرف إليهم، فقال: لو تعلمون ما لكم عند الله، لأحببتم أن تزدادوا فاقةً وحاجة، يقول فضالة: وأنا يومئذٍ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم} ثم يُرى فضالة رضي الله عنه بعد وهو والي مصر، أشعث حافياً، فيقال له: أنت الأمير وتفعل هذا؟ فقال:{لقد نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإرفاء، وأمرنا أن نحتفي أحيانا}
ما أمةٌ غفلت عن نهجه ومضت إلا تهيم بلا هديٍ ولا علم
هذه حالهم معشر المؤمنين! ولكم أن تسألوا: هل قعدت بهم هممهم؟ هل تنازلوا عن مبادئهم؟ كلا.
والله! إنهم لا يعيشون لأنفسهم، إن الذي يعيش لنفسه، قد يعيش مستريحاً، لكنه يعيش حقيراً ويموت حقيراً، أما من تحمل عبء تعبيد الناس لله رب العالمين، وإخراجهم من الظلمات إلى النور، فماله وللنوم وماله وللراحة ماله وللفراش الدافئ، والعيش الهادئ، والمتاع المريح، وقد تهيأ للسباق، ورفعت له أعلام السعادة؟
وليس من أعد للاستفراخ كمن هُيئ للسباق
خلق الله للحروب رجالاً ورجالاً لقصعة وثريد
كانوا مع الشدة قد أوقفوا حياتهم لله؛ فاعلين متفاعلين في إخراج الأمة من غثائيتها إلى ربانيتها، لتكون خير أمة أخرجت للناس:
هزئوا بكل كريهةٍ ندبوا لها لله واستحلوا على الكره العطب
إن تلق واحدهم تجده بمسجدٍ حملاً وكالليث الهصور إذا ركب