للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[القرآن معجزة الرسول صلى الله عليه وسلم الخالدة]

الحمد لله القائل: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ} [فاطر:٢٩ - ٣٠].

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله القائل: {الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة} صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

يا خادم الجسم كم تسعى لخدمته أتعبت جسمك فيما فيه خسران

أقبل على الروح واستكمل فضائلها فأنت بالروح لا بالجسم إنسان

عباد الله: وأنتم تعيشون شهر القرآن اتقوا الله، واعلموا أن لكل رسول من الرسل عليهم الصلاة والسلام معجزة اِختُصَّ بها بين الرسل؛ ليصدقه قومه وليعلن التوحيد فيهم بالبراهين.

فكان لموسى عليه السلام معجزة العصا، يوم خرج في قومٍ بلغوا في السحر ذروته ومنتهاه، فأتت عصاه تلقف ما صنعوا: {فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأعراف:١١٨].

وبلغ قوم عيسى مبلغاً عظيماً في الطب، فأتى إليهم عيسى بطب من الواحد الأحد، يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى بإذن الله، فوقع الحق واندحر الباطل.

وأما رسولنا صلى الله عليه وسلم فبعث في أمةٍ فصيحة في لغتها، مجيدة في بيانها، خطيبها أخطب الخطباء، وشاعرها أرقى الشعراء، فأتى إليهم صلى الله عليه وسلم بالقرآن، سمعوه فدهشوا من بيانه، وبهتوا من بلاغته وفصاحته، فما استطاعوا أن ينكروا ذلك رغم جحودهم، حتى يقول كبيرهم الوليد بن المغيرة - وقد سمع القرآن فدهش:- واللات والعزى، إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق، وأنه يعلو ولا يُعلى عليه.

لا إله إلا الله!

الحق يعلو والأباطل تسفل والحق عن أحكامه لا يُسأل

وإذا استحالت حالة وتبدلت فالله عز وجل لا يتبدل

ما زال به قومه -بـ الوليد - حتى رجع عن مقالته، وكذب نفسه فيما قاله عن القرآن، فقال منتكساً كما حكى الله عنه: {إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ} [المدثر:٢٤] ويتولى الله الرد عليه ويعنفه ويتهدده: {سَأُصْلِيهِ سَقَرَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ * لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ} [المدثر:٢٦ - ٢٨].

ويأتي الرسول صلى الله عليه وسلم لِيُرَبِّي هذه الأمة على هذا الكتاب العظيم الذي: {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت:٤٢] فتربت الأمة وتهذبت.

وأصبح عابد والأصنام قُدماً حماة البيت والركن اليماني

تربت على كتاب ما قرأه قارئ إلا آجره الله، وما تدبره متدبر إلا وفقه الله.

كتابٌ مَن حكم به عدل، ومن استمع إليه استفاد، ومَن اتعظ بمواعظه انتفع.

كتاب من قرأه علَّمه الله علم الأولين والآخرين.

كتاب من استنار بنوره دخل الجنة، ومن تقفاه وجعله خلف ظهره قذفه على وجهه في النار.

كتاب من تدبره أخرج النفاق والشك والريبة من قلبه، هو شفاء لما في الصدور، مَن التمس الهداية فيه هداه الله وسدده، ومن التمس الهدى من غيره أضله الله وأهانه: {وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ} [الحج:١٨].

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " من اعتقد أنه سيهتدي بهدى غير هدى الله فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين" ويقول جل ذكره: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد:٢٤] والمعنى: ما بهم لا يتدبرون ما فيه من العظات؟ ما بهم لا يعيشون مع الآيات البينات؟

و

الجواب

رانَ على قلوبهم؛ فأقفلت فلا تسمع، وأوصدت فلا تنتفع، ولو أنها تدَّبرت لفهمت كلام ربها فاهتدت بهدي باريها.

ويقول تعالى: (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً} [النساء:٨٢] والاختلاف الكثير تجده في الكتب غير كتاب الله عز وجل، أما كتابه: {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت:٤٢] من قرأه بارك الله في عمره، وبارك في ولده، وبارك في ماله، ومن أعرض عنه محق الله عمره، وأزال هيبته، وأفنى كابره وصاغره، وجعل معيشته ضنكاً، وحشر يوم القيامة أعمى.