للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الحياة في ظل العقيدة الإسلامية]

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، شهادة عبده وابن عبده وابن أمته، ومن لا غنى به طرفة عين عن رحمته.

وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله الله رحمة للعالمين فشرح به الصدور، وأنار به العقول، وفتح به أعيناً عمياً، وآذاناً صماً، وقلوباً غلفاً، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان وسلم تسليماً كثيراً.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:١٠٢] {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:١].

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:٧٠ - ٧١].

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:

وأسأل الله أن يجمعنا وإياكم في هذه الحياة تحت ظل لا إله إلا الله، وأن يجعل آخر كلامنا فيها لا إله إلا الله، ثم يجمعنا أخرى سرمدية أبدية في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر.

أشهد الله الذي لا إله إلا هو على حبكم فيه، ولعلكم تلحظون ذلك فالوجه يعبر عما في النفس:

والنفس تعرف في عيني محدثها إن كان من حزبها أو من أعاديها

عيناك قد دلتا عيني منك على أشياء لولاهما ما كنت أدريها

اللهم لا تعذب جمعاً التقى فيك ولك.

اللهم لا تعذب ألسنة تخبر عنك.

اللهم لا تعذب قلوباً تشتاق إلى لقاك.

اللهم لا تعذب أعينا ترجو لذة النظر إلى وجهك برحمتك يا أرحم الراحمين.

أحسن الظن إخوتي بي إذ دعوني؛ فأجبت الدعوة وما حالي وحالكم هذه الليلة إلا كبائع زمزم على أهل مكة أو كبائع التمر على أهل المدينة أوكبائع السمك على أهل جدة؛ لكني أسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يجعلني خيراً مما تظنون، وأن يغفر لي ما لا تعلمون، وألا يأخذني بما تقولون.

يا منزل الآيات والقرآن بيني وبينك حرمة الفرقان

اشرح به صدري لمعرفة الهدى واعصم به قلبي من الشيطان

يسر به أمري واقض مآربي وأجر به جسدي من النيران

واحطط به وزرى وأخلص نيتى واشدد به أزري وأصلح شانى

واقطع به طمعي وشرَّف همتي كثر به ورعي وأحي جناني

أنت الذي صورتني وخلقتني وهديتني لشرائع الإيمان

أنت الذي أطعمتني وسقيتني من غير كسب يد ولا دكان

أنت الذي آويتني وحبوتني وهديتني من حيرة الخذلان

وزرعت لي بين القلوب مودة والعطف منك برحمة وحنان

ونشرت لي في العالمين محاسناً وسترت عن أبصارهم عصياني

والله لو علموا قبيح سريرتي لأبى السلام علي من يلقاني

ولأعرضوا عني وملوا صحبتي ولبؤت بعد كرامة بهوان

لكن سترت معايبي ومثالبي وحلمت عن سقطي وعن طغياني

فلك المحامد والمدائح كلها بخواطري وجوانحي ولساني

هكذا علمتني الحياة.

أي حياة تعلم؟ وأي حياة تدرس؟ وأي حياة تربي أيها الأحبة؟

أهي حياة اللهو واللعب؟ أهي حياة العبث واللعب؟ أهي حياة الضياع والتيه؟

لا والذي رفع السماء بلا عمد!

إنها الحياة في ظل العقيدة الإسلامية.

إنها الحياة التي تجعلك متفاعلاً مع هذا الكون، تتدبر فيه وتتفكر:

حياة على الحق نعم الحياة وبئس الحياة إذا لم نحق

إنها الحياة الحقيقية؛ حياة تحت ظل الإسلام، تعلم وتربي وتدرس.

حياة على الهدى والنور، حياة الحبور والنعيم والسرور، من عاش تحت ظلها عاش في نور وعلى نور، ومات على نور، ولقي الله بنور، وعبر الصراط ومعه النور: {نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ} [النور:٣٥].

إذا جاء يوم القيامة وقسمت الأنوار بين المؤمنين والمنافقين عندما توضع الأقدام على الصراط يتبين من بكى ممن تباكى، سرعان ما تنطفئ أنوار المنافقين فهم في ظلمات لا يبصرون، ينادون: {انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ * يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ * فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [الحديد:١٣ - ١٥].

في تلك اللحظات وفي هذه الساعات يكون المؤمنون قد عبروا بنورهم: {يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [الحديد:١٢] فلا يرضى المؤمنون إلا بجوار الرحمن في جنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين: أو من كان ميتا {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} [الأنعام:١٢٢] هل يستويان مثلاً؟ كلا وألف كلا {وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ * وَلا الظُّلُمَاتُ وَلا النُّورُ * وَلا الظِّلُّ وَلا الْحَرُورُ * وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلا الْأَمْوَاتُ} [فاطر:١٩ - ٢٢].

لا يستوي عاقل كلا وذو سفه لا والذي علم الإنسان بالقلم

هل يستوي من على حق تصرفه ومن مشى تائهاً في حالك الظلم

لا يستوون أبدا.

أحبتي في الله: الحياة في ظل العقيدة مدرسة وأي مدرسة! عظات وعبر لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، فإليكم هذه الليلة أزف بعض دروس علمتنيها الحياة تحت ذلك الظل، وهي تعلم كل شخص كان من هذه الأمة إن كان له قلب.

أسأل الله أن يرزقنا وإياكم العلم النافع والعمل الصالح والنظر الثاقب والبصيرة النافذة والعظة والاعتبار، وأن يظلنا تحت ظله يوم لا ظل إلا ظله.

اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً، وأنت تجعل الحزن سهلاً إذا شئت.