وليس معنى ذلك أن نستسلم فلا ندافع، لكن المدافعة أحياناً -يا أيها الأحبة- تكون بالسكوت، والمدافعة أحياناً تكون بالاختفاء، والمدافعة أحياناً تكون بالإعراض عن الجاهلين.
في يوم أحد -وما أدراكم ما يوم أحد - يوم أصاب المسلمين ما أصابهم، نادى أبو سفيان -وكان لا زال مشركاً- رضي الله عنه وأرضاه: هل فيكم محمد؟ فلم يرد صلى الله عليه وسلم، ولم يأمر أحداً بالرد.
هل فيكم أبو بكر؟ هل فيكم عمر؟ فلم يُجبه أحد.
مع أن الجواب قد كان أغيظَ له، لكن الموقف كان يستلزم السكوت من باب قول القائل:
إذا نطقَ السَّفيه فلا تُجْبهُ فَخَير من إجابته السكوتُ
والصَّمتُ عنْ جاهلٍ أو أحمق شرفٌ وفيه أيضاً لصونِ العِرضِ إصلاحُ
أما تَرى الأُسْد تُخْشى وهي صامتةٌ والكَلْبُ يُخْزى لعَمر الله نبَّاحُ
هاهو الإمام أحمد عليه رحمة الله في مجلسه وبين تلاميذه، ويأتي سفيه من السفهاء فيسبُّه ويشتمه ويقرعه بالسب والشتم، فيقول طلابه وتلاميذه: يا أبا عبد الله! رُدّ على هذا السفيه.
قال: لا والله! فأين القرآن إذاً؟ (وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاَماً)[الفرقان:٦٣]
إذا سبني نَذلٌ تزايدتُ رفعةً وما العيبُ إلا أن أكونَ مُساببه
ولو لم تكن نَفْسِي عليَّ عزيزةً لمكنْتُها من كلِ نذل تُحاربه