[أعدى الأعداء من يغدر بك]
علمتني الحياة في ظل العقيدة: أن أعدى الأعداء من لا يواجهك وإنما يغدر بك ويقتلك ويتقمص شخصك ويتقمص عملك أحياناً لينقض عليك وهو يتبسم، هذا هو أشرس الأعداء وهو أقوى الأعداء ظاهرياً وإلا ففي باطنه هو على شفا جرف هار:
إذا رأيت نيوب الضبع بارزة فلا تظنن أن الضبع يبتسم
إنه النفاق والمنافقون:
إن النفاق لآفة فتاكة إن أهملت أدت إلى الأسقام
وقضت على آمالنا في أمة راياتها في البحر كالأعلام
المنافقون: ذلكم السوس الذي ينخر في جسد الأمة المسلمة منذ عهد النبوة إلى اليوم وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، لا يريدون أن يتكلم داعية، لا يريدون أن يؤمر بمعروف ولا ينهى عن فاحشة فقبحهم الله وأرداهم في الحافرة: {وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} [الزمر:٤٥].
لهم ألف وجه بعدما ضاع وجههم فلم تدر فيها أي وجه تصدق
{مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا} [الأحزاب:٦١] فهم في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيراً.
إن المنافقين جراثيم تسمم، وبكتيريا عفونة يتربصون بالمؤمنين الدوائر، خذلوا المؤمنين في أحد وتبوك وما زالوا يخذلونهم إلى اليوم وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، لسان حالهم:
لن تستريح قلوبنا إلا إذا لم يبق في الأرض الفسيحة مسلم
يريدون غير ما يظهرون، ويسرون غير ما يبدون، قائدهم وكبيرهم ومنظرهم الذي علمهم الخبث ابن سبأ، الذي ظهر في عهد عثمان رضي الله عنه وأرضاه، واندس في الصفوف على أنه مسلم وكم من مندس في الصفوف على أنه مسلم:
ولو كان سهماً واحداً لاتقيته ولكنه سهم وثان وثالث
يدير رحاها ألف كسرى وقيصر وألف مدير للمدير مدير
قد تقولون: من هم؟ فنقول: {وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ} [محمد:٣٠] ظهر هذا الرجل في عهد عثمان وقام يجوب البلدان ليجمع قطاع الطرق والمفسدين ليكون عصابة من المنافقين وبعض المغفلين؛ ليفسد نفوسهم على عثمان وقد نجح إلى حد ما؛ ونجاحهم دائما مؤقت، وهو خسارة وإنما تسميته بالنجاح من باب تسمية اللديغ بالسليم؛ حتى إنه ليأتي في يوم من الأيام مع عصابته ليدفعهم ليحاصروا عثمان رضي الله عنه وأرضاه في بيته، لينفردوا به ليضربه الغافقي بحديدة معه ثم يضرب المصحف برجله وهو يقرأ منه رضي الله عنه، ليستدير المصحف ويستقر أخرى بين يدي عثمان ويتخضب بالدماء ويغشى عليه ويُجر برجله رضي الله عنه وأرضاه.
ويأتي أحدهم بسيفه يريد وضعه في بطنه فتقيه إحدى النساء بيدها فيقطع يدها قطع الله دابره، ثم يتكأ بالسيف على صدر عثمان وبينما هو كذلك إذ وثب شقي آخر على صدره وبه رمق رضي الله عنه فطعنه تسع طعنات قائلاً: أما ثلاث منها فلله وأما ست فلشيء كان في صدري عليه، ثم يثب آخر عليه فيكسر ضلعاً من أضلاعه.
فلا إله إلا الله! إنها مجزرة دموية يدبرها السبئيون في كل مكان وفي كل زمان يريدون قطع رأس هذا الدين وكسر أضلاع معتنقيه والمبرر أنها لله، ولو صدقوا لقالوا: ست منها لما في الصدور: {قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} [التوبة:٣٠] وبصيحة (لله) الصادرة من المنافقين في كل زمان ضاع كثير من شباب المسلمين وثبط شباب آخرون وكشفت أسرار وملئت سجون، وكلها لله كما يزعمون ولو صدقوا وأنصفوا لقالوا: ست منها لما في الصدور.
ووالله! إنها لكلها لما في الصدور حتى وعثمان يذهب به ليدفن يرجم سريره ويحاول أن يمنع من الدفن في البقيع ويقتل معه عبدان كانا يدافعان عنه ويرمى بهما لتأكلهما الكلاب ولما تدفن جثثهما بعد.
فانظر -أخي الكريم- كيف وصلت الأمور بالمنافقين إلى أن يقدموا جثثاً أعزها الله طعاماً للكلاب، لهم أشد على المؤمنين من اليهود والنصارى: {وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ} [المنافقون:٤].
ولا إله إلا الله! يقول الحسن: [[لو كان للمنافقين أذناب لما استطعنا أن نمشي في الطرقات]] وهو يقول هذا على عهده رضي الله عنه وأرضاه، فما نقول نحن الآن؟! لكن نقول: كل سيلقى الله بسريرته وعلانيته وعندها يتبين من بكى ممن تباكى.
ويذكر أئمتنا أن رجلاً تاب من عمل كان يقوم به، وهو من أرذل الأعمال، كان يأتي على قبر الميت في أول ليلة من لياليه فيفتح القبر ويسرق الكفن ويذهب ليبيعه، هذه حالته لفترة طويلة ثم ترك هذا العمل، فلما قيل له: لم تركت هذا العمل؟ قال: والله! لقد فتحت ألف قبر من قبور أهل القبلة فما وجدت واحداً منهم موجهاً إلى القبلة، وأنا أفتحه في أول ليلة من ليالي الدفن، فما الذي حوله عن القبلة؟! الذي حوله عن ذلك ما كان يظهر هنا ويسر، ما كان يخادع به هنا ظهر هناك.
بيننا وبينهم يوم تبلى فيه السرائر، بيننا وبينهم يوم يبعثر من في القبور ويحصل ما في الصدور وأقول مع ذلك:
فتنبهوا يا معشر الإسلام من أحلامكم فالضعف في الأحلام
لا تغفلوا عن حاقد يقظان يرقب نومكم كالوحش في الآجام
حرب المعاصي والنفاق صراحة ليست سوى حرب على الإسلام
لا تقل زال عصر النفاق فلكل عصر رجاله:
ما زال فينا ألوف من بني سبأ يؤذون أهل التقى بغياً وعدوانا
ما زال لـ ابن سلول شيعة كثروا أضحى النفاق لهم وسماً وعنوانا
لكن أخي لا تبتئس فالكون يملكه رب إذا قال كن في أمره كانا
{وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً} [آل عمران:١٢٠].
والمؤمنون على عناية ربهم يتوكلون، لا خوف يرهبهم ولا هم في الحوادث يحزنون.
لو مر واحدهم على فرعون يجتز الرءوس لأراك في الإفصاح هارون وفي الإقدام موسى.
{وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ} [المنافقون:٨].