[مؤامرة تحت جدار الكعبة]
رجلان من قريش يجلسان في جوف الليل تحت جدار الكعبة قد هدأت الجفون، ونامت العيون.
أرخى الليل سدوله، واختلط ظلامه، وغارت نجومه، وشاع سكونه، قاما يتذاكران، ويخططان، ويدبران، وظنا أن الحي القيوم لا يعلم كثيرًا مما يعملون، استخفوا من الناس ولم يستخفوا من الله الذي يعلم ما يبيتون مما لا يرضى من القول، تذاكرا مُصَابِهم في بدر؛ فقال صفوان وهو أحدهم: والله ما في العيش بعد قتلى بدر خير، فقال عمير: صدقت، والله! لولا دَينٌ عليّ ليس له قضاء وعيال أخشى عليهم الضيعة لركبت إلى محمد حتى أقتله -صلى الله على نبينا محمد-
اغتنم صفوان ذلك الانفعال وذلك التأثر، وقال: عليَّ دَيْنُك، وعيالك عيالي لا يسعني شيء ويعجز عنهم، قال عمير: فاكتم شأني وشأنك -لا يعلم بذلك أحد- قال صفوان: أفعل.
فقام عمير وشحذ سيفه، وسمَّه، وانطلق به يغذ السير إلى المدينة ووصل إلى هناك، وعمر بن الخطاب -رضي الله عنه- في نفر من المسلمين، أناخ عمير على باب مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم متوشحًا سيفه، فقال عمر -وهو يعرفه-: عدو الله! والله ما جاء إلا لشر.
ودخل عمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبره بخبره، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أدخله عليّ، فأخذ عمر بحمائل سيفه فلببه بها -جعلها له كالقلادة- ثم دخل به على النبي صلى الله عليه وسلم فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم قال لـ عمر: أرسله يا عمر، ثم قال: ما جاء بك يا عمير؟ وكان له ابن أسير عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: جئت لهذا الأسير فأحسنوا به.
قال صلى الله عليه وسلم: فما بال السيف في عنقك؟ قال: قبَّحها الله من سيوف! وهل أغنت عنا شيئًا؟
فقال صلى الله عليه وسلم وقد جاءه الوحي بما يضمره عمير -: اصدقني يا عمير! ما الذي جاء بك؟ قال: ما جئت إلا لذاك.
فقال صلى الله عليه وسلم: بل قعدت مع صفوان في الحجر في ليلة كذا، وقلت له كذا، وقال لك كذا، وتعهد لك بدَينك وعيالك، والله حائل بيني وبينك.
قال عمير: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنك رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا أمر لم يحضره إلا أنا وصفوان، والله إني لأعلم أنه ما أتاك به الآن إلا الله، فالحمد لله الذي ساقني هذا المساق، والحمد لله الذي هداني للإسلام.
جاء ليقتل النور، ويطفئ النور، فرجع وهو شعلة نور، اقتبسه من صاحب النور صلى الله عليه وسلم.
عباد الله! سمعتم المؤامرة تحاك تحت جدار الكعبة في ظلمة الليل لا يعلم بها أحد حتى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لا يعلم الغيب، حُبكت المؤامرة سرًا، من الذي أعلنها؟ من الذي سمعهما وهما يخططان، ويدبران، ويمكران عند باب الكعبة؟ إنه الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء!
كم تآمر المتآمرون في ظلام الليل؟!
كم من عدو للإسلام جلس يٌخطط لضرب الإسلام وحده أو مع غيره سرًا؟! ويظن أنه يتصرف كما يشاء؛ متناسيًا أن الذي لا يخفى عليه شيء يسمع ما يقولون، ويبطل كيدهم فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين.