[مقدمة عن عمر بن الخطاب]
ومن هنا؛ فإن الكلام عن هؤلاء العظماء، وكشف الستار عن الصفحات الناصعة التي سطروها، واجب محتم علينا في هذا العصر الذي نعيش فيه معمعة الأفكار، واضطراب الموازين، وموالاة الكفار، والوقوع في الصحابة الأبرار واجب لردع أهل الهوى من الزنادقة والملاحدة، وأهل الكفر والابتداع الذين انتقصوا وسبُّوا خير جيل وطائفة وُجِدَت على وجه الأرض؛ لا لشيءٍ إلا لأنهم حَمَلة الإسلام، ورواة الأحاديث التي تهدم بِدَعهم، وتُظهر ضلالهم، وتُبْرز خُبْث طويتهم، قاتلهم الله! وقاتل كل من حادَ عن كتاب الله وسُنَّة مصطفاه، واتَّبع غير سبيل المؤمنين!
فهَلُمَّ هلم، وحيهلا بكم -أيها الأحبة- لنعيش الليلة معكم في ظلال محطة صور، ومائدة عبر، من حياة عَلَم آخر في سلسلة أعلام هذه الأمة المباركة علم يجب على الأمة أن تجعله وصحبه حديث شيوخها في السمر، وقصص أطفالها الذين لطالما أشغلوا بالقصص الهابط، والرسوم المتحركة، وحديث شبابها في منتدياتهم ونواديهم التي لطالما شُغلت بالحديث عن اللاعبين والفنانين والساقطين والساقطات.
إنه من أظهر إسلامه يوم كانوا يخفونه إنه من تقلَّد سيفه وتنكب قوسه، وأخرج أسهمه، وأتى الكعبة وأشراف قريش في فنائها، فطاف سبعًا رغم أنوفهم، وصلى ركعتين، وأتى حلقهم واحدة واحدة يقول: [[شاهت الوجوه، من أراد أن تثكله أمه، وييتم ولده، وترمل زوجته، فليلقني وراء هذا الوادي]] فما تبعه أحد.
إنَّه مرقع القميص، وبين يديه الغالي والنفيس، إنَّه من يسلك الشيطان فجًا غير فجه، إنَّه الوقَّاف عند كتاب الله، المجاهد في سبيل الله، إنَّه القِيَم والمُثُل بعينها، وما أروع المثل يوم تكون رجالاً فتكون الأخلاق فِعالاً!
إنَّه العادل إنْ ذكر العادلون، هو من سهر لينام الناس، وجاع ليشبع الناس، هو من جعل كبير المسلمين أبًا، وأوسطهم أخًا وأصغرهم ولدًا.
هو من لا تأخذه في الله لومة لائم، هو قائل الحق ولو كان مرًّا، إنَّه من اشترى أعراض المسلمين من أحد الشعراء بثلاثة آلاف درهم، حتى قال ذلك الشاعر:
وأخذت أطراف الكلام فلم تدعْ شَتْمًا يضر ولا مديحًا ينفعُ
ومنعتني عِرض البخيل فلم يَخَفْ شتمي وأصبح آمنا لا يفزعُ
زلزل عروش الظالمين، ودكَّ قلاع الأكاسرة والقياصرة، وخضعت لعدالته الجبابرة والأباطرة، وهَوَت عناكب الظلم أمام رايات عدله الخفَّاقة وفتوحاته المظفرة، فَأَرْغَم أنوف الروم، وحطم كبرياء الفرس، وأخرج المغضوب عليهم -اليهود- من جزيرة العرب؛ لغدرهم ونقضهم العهود، أخرجهم أذلةً صاغرين.
إنَّه الزاهد العالم العابد الغيور الخائف من الله وكفى.
أظنكم قد عرفتموه، إنَّه عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه، ولعنة الله على من أبغضه وعاداه.
نور أضاء سطور التاريخ، وغرة في جبين الزمان، أُمَّة في رجل، إمام همام، مميت الفتن، ومحيي السُّنَنَ.
عمر الذي لا يجهله أحد، وفي نفس اللحظة قلَّ أن يعرفه أحد في هذا العصر.
يعرف بعضهم بعض أخباره، ونتفًا من نسبه وأعماله، أما روح تلك الأخبار فلا يدركها إلا من تأملها من الأخيار، وإني لأرجو الله أن نكون وإياكم من أولئك الأبرار.
مراكبُ أهل الهوى أتخمت نزولاً ومركبنا صاعدُ
إذا عدد الناس أربابهم فنحن لنا ربنا الواحدُ
إلى صور ذات عبر من حياته، وعذرًا لن نفيه حقه في هذه العُجالة:
فأعلامُه في كل أرض خوافقُ يدين بها شرقٌ ويخضع مغربُ
لكن حسبنا أن نقف عند بعض صور من حياته؛ وقفة عظة وتدبر واقتداء، ولأهل الهوى ردع وزجر.
هاهي محطتنا الليلة محطة عُمَريَّة، فهل أنتم نازلون؟ وهذه مائدتنا فهل أنتم إليها مائلون؛ أم أنكم لا ترغبون؟ معذرة لأصحاب البطون؛ أعني: من لأجل رفع مستواهم المعيشي يكدون ويقلقون وفي الكلام عن المسكن والسيارة والأثاث والراتب لا يملون، وعلى هامش الحياة بلا رسالة يعيشون، بهائم في مسالخ البشر وهم لا يشعرون، هتافهم دائماً وأبداً: أين الصُحُون؟ مائدتنا تعتذرهم ثم تعتذرهم وتقول: إلي إليَّ أيها المتيقظون العاقلون المتدبرون، ومن بِسَلَف الأمة يقتدون، ومن عن التُرَّهات يترفَّعون، أنتم جميعًا مدعوون، وأنتم -إن شاء الله- رابحون: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس:٥٨]
يارب:
أنت العليم بظاهري وبباطني بالسر بل أخفى وبالإعلانِ
أنت السميع لمنطقي وحروفه أنت الخبير بموقفي ومكاني
إن لم أكن أهلاً لتوفيقٍ فمُن فلأنت أهل المَنِّ والإحسانِ
يا رب أنت المُرتجى والمُبتَغَى وأنا الفقير بذلتي وهواني
اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً وأنت تجعل الحَزنَ إذا شئت سهلاً.