صورة أخرى: عَلِمَ أبو بكر أن من أول مقتضيات لا إله إلا الله الدعوة إليها، فالدعوة ليست وظيفة محمد صلى الله عليه وسلم فقط، بل هي وظيفة الأمة في مجموعها.
علم ذلك أبو بكر فخرج من عند نبيه ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم، خرج وهمه نصرة هذا الدين ونشره في العالمين، خرج وعمره في الإسلام لا يتجاوز بضعة أيام، وبعد أيام يعود فبم عاد أبو بكر؟ عاد وهو يقود الكتيبة الأولى من كتائب هذه الأمة، خرج صادقاً مبلغاً فعاد وقد أدخل في دين الله ستة من العشرة المبشرين بالجنة فيما بعد.
فيا لله! يأتي أبو بكر يوم القيامة وفي صحيفة حسناته ستة من العشرة المبشرين بالجنة، يعود وقد أسلم على يديه عثمان وطلحة الزبير وسعد وعبد الرحمن وأبو عبيدة رضي الله عنهم أجمعين.
أرأيتم عطاءً للإسلام كهذا العطاء! قد يعيش الإنسان منا ستين عاماً أو سبعين عاماً أو أقل أو أكثر، لكنها والله لا تعدل في ميزان الحق ساعة من ساعات أبي بكر، قد لا يكون الصديق حفظ بضع سور من القرآن في ذلك الوقت، ولم يكن حفظ بضع آيات، وبعضنا يحفظ القرآن، ويحفظ من السنة الكثير، ويستمع إلى عشرات المحاضرات، ويستمع إلى عديد من الأشرطة، ويقرأ عشرات الكتب، وينقضي عمره وما هدى الله على يديه رجلاً واحداً، ما السبب؟ إنه نقص الإيمان، أو نقص الصدق لضعف الإيمان في القلوب.
حصان إخلاصنا ما زال يُسمعنا صهيله غير أنا ما امتطيناه
فهلا صدقنا الله، وهلا أخلصنا النوايا لله، لتنقاد القلوب لنا كما انقادت لـ أبي بكر وسلفنا، نرجو الله أن يَمنَّ علينا بذلك، فـ {لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم}.