للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أثر الإخلاص والمتابعة في الطريق إلى الله]

يا فتى الإسلام:

إنْ كُنتَ تَطلبُ لُجَّة الأعمَاقِ أَخلصْ أصِب حلِّق بغيرِ تَوانٍ

جناحان لا ينفكان: إخلاص لله، واتباع لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لا تحليق بواحد منهما: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا} [الملك:٢].

منْ عمل بدونهما فهو من المنقطعين الهالكين، ومن عمل بهما وصال لم ترد صولته، ومن تكلم بهما علت على الخصوم كلمته.

هما روح الأعمال، ومحك الأحوال في أيام الفتن والمحن، لا يثبت إلا أصحابهما المخلصون العاملون المتبعون؛ يُشرَّفون بنصر الله وتمكينه لهم في الأرض، ليجعلهم أئمة ويجعلهم الوارثين؛ ولذا سئل بعضهم عن كلام سمعه من متكلم: ما حجم ذاك الكلام؟ فقال: والله ما فهمت منه شيئاً، إلا أني رأيت لكلامه صولة ليست بصولة مبطل.

فوالله! ما مُنح العبد منحة أفضل من منحة القول الصادق الثابت.

تقول بعض الروايات: إن أحد جواسيس الفرنجة، توغل داخل بلاد المسلمين في الأندلس، فرأى طفلاً تحت شجرة يبكي، فسأله: ما يبكيك يا بني؟ قال: لأنني لم أستطع إصابة الهدف الذي حُدِّد لي؛ وهو صيد العصفور فوق الشجرة.

فقال الجاسوس: هوِّن عليك، وعاود الكرَّة أخرى.

فقال الطفل المسلم: إن الذي يبكيني أعمق من صيد العصفور؛ يبكيني أن قلت في نفسي: إن لم أستطع صيد العصفور بسهم واحد، فكيف أستطيع أن أقتل عدوي وعدو الله غداً؟

دُهش الجاسوس، وبلَّغ الواقعة إلى ملك الفرنجة، فقال ملكهم: الرأي عندي ألا تعترضوهم؛ فإنهم كالسيل، يحمل من يُصادره، ولهم نيَّات تغني عن كثرة العدد، وقلوب تغني عن حصانة الدروع، وواحد كألف.

وصدق وهو كذوب.

فَكَمْ زكِمتْ أُنوفُ الفِسقِ دَوماً بعِطرِ القَولِ مِن فَمِ صَادقِينَا