إن الإكتفاء في المقاييس بارتداء الملابس والامتشاطات الساحرة والعطور المنعشة مع عدم النظر إلى التقوى والعلم والرأي حيف ونكسة.
رب ذي مظهر جميل توارى ... خلف أثوابه فؤاد خؤون
إن المظهر الحسن والترجل والتطيب من الأمور المشروعة وليست هي المقياس في الحكم على الناس، إن التراب مكمن الذهب فلا يغرنك حسن المظهر وحسن الهيئة وجمال الهندام والبزة فكم من ارتداها وهو يحمل بينها نخاعاً ضامراً بائراً وقلباً حائراً فهل يقدم مثل هذا؟ كلا ... وهل تروق دفيناً جودة الكفن، ((رب أشعث أغبر ذي طمرين مدفوع بالأبواب لا يؤبه له لو أقسم على الله لأبره)) كما ثبت في صحيح مسلم رحمه الله.
لا يغرنك البها والصور ... ستة أعشار من تراهم بقر
ولكن أكثر الناس لا يعقلون، فالعبرة كل العبرة بصلاح القلوب والأعمال لا بالصور والأموال ولا بالمظاهر والأشكال (إنما تنصر الأمة بضعيفها بصلاته ودعائه) فلا تغرنك المظاهر وابل الرجال تحبهم أو تبغضهم ومن ثمارهم تعرفونهم.
وعلى الفتى لطباعه ... سمة تلوح على جبينه
لقد عظم البعير بغير لب ... فلم يستغنى بالعظم البعير
يصرفه الصغير بكل وجه ... ويحبسه على الخسف الجرير
وتضربه الوليدة بالهراوي ... فلا غِيَر لديه ولا نكير
فإن كنت في شك من السيف فابله ... فإما تنفِّيه وإما تعده
* * * * *
[الإشارة العشرون: بقدر الصعود يكون الهبوط]
بمعنى: أحذر العجب والتعالي والغرور فهو دليل السفه ونقص العقل ودنو النفس لا يزال الشيطان بالإنسان إلى أن ينظر إلى نفسه وعمله نظرة إعجاب وغرور وإكبار فيقول له: أنت فعلت وفعلت حتى يلقي في روعه أنه لا مثيل له ولا نظير له فيعجب بنفسه فيغتر فيهلك وهو لا يشعر، ثم يتوقف عن العمل فيشقى، لأن السعادة إنما تدرك بالسعي والطلب والمعجب يرى أنه وصل فلا حاجة للسعي فيقضي العمر كله وهو يراوح مكانه لا يتقدم لمكرمة ولا يرتقي لمنزلة.