فغادٍ يغدو من بيته ليهلك نفسه بالإشراك بالله، إن تكلم فلا تسمع منه إلا نتن الألفاظ الشِرْكِيَّة، تفوح من فمه وتغدو وتروح.
مِن هذه الألفاظ: استعانته بالجن يقول: خذوه وافعلوا به واركبوه!! مع أنه قد كان قبلها قليلاً يُردد في صلاته: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}[الفاتحة:٥] فأين العبادة وأين الاستعانة بالله عز وجل؟!
إن أصيب بمصيبة -ليرفع الله درجته- في حبيب له مرض أو في قريب له أو في نفسه هو؛ لم يذهب ولم يلجأ إلى الله ويطلب الأسباب الشرعية، بل يذهب إلى السحرة والدجالين والمشعوذين، فيبيع دينه ودنياه ناسياً قول الله جل وعلا:{إنه مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ}[المائدة:٧٢] وينسى قول المصطفى صلى الله عليه وسلم: {من أتى كاهناً أو عرافاً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمدٍ صلى الله عليه وسلم}.
يغدو فيحلف بكل شئ إلا بالله الذي لا إله إلا هو، بالطلاق يحلف وبالحرام يحلف وبالذمة يحلف وبالحياة يحلف وبالنبي يحلف؛ لكنه لا يحلف بالله الذي لا إله إلا هو، ناسياً قوله صلى الله عليه وسلم أو متناسياً:{من كان حالفاً فليلحف بالله أو ليصمت}{من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك}{ومن حُلِفَ له بالله فليرض ومن لم يرض فليس من الله}.
وها هو -كما في الصحيح- رجل من بني إسرائيل احتاج إلى مائة دينار، فذهب إلي رجلٍ آخر، وقال له: أريد أن تقرضني مائة دينار؟ قال: هل لك من شهيد؟ قال: والله ما لي من شهيد إلا الله.
قال: فكفى بالله شهيداً، قال: هل لك من كفيل؟ قال: ما لي من كفيل إلا الله.
قال: كفى بالله كفيلاً، أعطاه المائة الدينار، ورضى بالله كفيلاً وشاهداً، وما كان من هذا الرجل إلا أن تواعد هو وإياه على أن يلتقيا بعد مدةٍ معلومة، فأخذ المائة الدينار وانتقل إلى بلده وعبر البحر، وكان بلده في الشاطئ الثاني وجمع المائة الدينار يريد أن يفي بوعده جزاء لمن أقرضه، وجاء إلى البحر ينتظر سفينة لعلها توصله، فلم يجد سفينة من السفن ولم يجد مركباً من المراكب، وهو يريد أن يوصلها في وقتها، فماذا فعل؟
أخذ عوداً من الحطب ثم حفره ثم وضع المائة الدينار فيه ثم أغلقه، ثم رفع يديه إلى الله سبحانه وتعالى، وقال: اللهم يا رب! إني استقرضته فأقرضني، ورضي بك كفيلاً، ورضي بك شاهداً، ولم أجد ما أوصل له هذه الدراهم، اللهم فبلغه هذه الدراهم والدنانير ثم رمى بها في البحر، وتأتي رياح الله عز وجل تسوقها إلى الشاطئ الثاني، ذاك ينتظر آية من مجيء هذه الدراهم وآية من مجيء الرجل وظن أنه قد غدر به، فكان يقول: حسبي الله ونعم الوكيل! وإذ بهذه الخشبة على الأمواج تأتي إلى طرف البحر، قال: إذاً آخذ هذا العود من خشب لعلي أرجع به لنحتطبه ولنشعل به نار خيراً من أن أرجع بلا شيء.
أخذه وذهب إلى بيته وجاء ليكسر العود وإذ بهذه المائة الدينار في وسطه، فقال: لا إله إلا الله! من رضي بالله كفاه الله، فهل رضينا بالله جلَّ وعلا.