[فضل الصحابة رضي الله عنهم]
الحمد لله المبدئ المعيد، الغني الحميد، ذي العفو الواسع والعقاب الشديد، من هداه فهو السعيد السديد، ومن أضله فهو الطريد البعيد، ومن أرشده إلى سبل النجاة ووفَّقه فهو الرشيد،
يعلم ما ظهر وما بطن، وما خفي وما علن، وما هَجُن وما حَسُن، وهو أقرب إلى الكل من حبل الوريد.
قسَّم الخلْق قسمين، وجعل لهم منزلتين، فريق في الجنة وفريق في السعير، إنَّ ربك فعال لما يريد: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت:٤٦].
أحمده وهو أهل الحمد والتحميد، وأشكره والشكر لديه من أسباب المزيد.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو العرش المجيد، والبطش الشديد، شهادة تكْفُل لي عنده أعلى درجات أهل التوحيد، في دار القرار والتأييد.
وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله البشير النذير، أشرف من أظلَّت السَّماء، وأقلَّت البِيدُ، صلى الله عليه وسلم تسليمًا كثيرًا وعلى آله وأصحابه أولي العون على الطاعة والتأييد، صلاةً دائمةً في كل حين تنمو وتزيد، ولا تنفد ما دامت الدنيا والآخرة ولا تبيد.
روحي الفداء لمن أخلاقه شهدت بأنَّه خير مبعوثٍ من البشرِ
عمَّت فضائله كل البلاد كما عمَّ البرية ضوء الشمس والقمرِ
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:١٠٢] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:٧٠ - ٧١].
سلام الله عليكم ورحمته وبركاته: أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يجعل هذا الاجتماع ذخرًا لي ولكم في يوم تتقلب فيه القلوب والأبصار، وأن يجعله من صالحات الأعمال، وخالصات الآثار، وباقيات الحسنات إلى آخر الأعمار.
اللهم اكتب لنا به أجرًا، وارفع به ذكرًا، واجعله لنا ذخرًا.
اللهم اجعل سرائرنا خيرًا من علانيتنا، وأعمالنا خيرًا من أقوالنا اللهم أنِرْ بصائرنا، وثبتنا على الحق حتى نلقاك، واجعل حديثنا حديث قلب لقلوب، أنت أكرم مسئول على الدوام، وأحق من يُرْتَجَى منه حسن الختام.
صور وعبر الحلقة الثانية: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي الألْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يفْتَرَى} [يوسف:١١١].
أحبتي في الله: إن الصحابة الأبرار -كما تعلمون- هم حملة الإسلام وحفظته بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، اختارهم الله واصطفاهم لصحبة نبيه، ونشر رسالته من بعده عدَّلهم وزكَّاهم، ووصفهم بأوصاف الكمال في غير ما آية من كتابه، رضي الله عنهم ورضوا عنه نوعٌ فريد من الرجال، عدول ثقات صالحون، حازوا قَصبَ السبق في كل شيء، لم تعرف البشرية لهم نظيرًا قمة في التقوى والورع آية في التجرد والإخلاص مِشْعَل في العلم والعمل نِبْرَاس في الدعوة إلى الله.
تالله لقد وردوا الماء عذبًا زلالاً، وأيدوا قواعد الإسلام فلم يدعوا لأحدٍ مقالاً فتحوا القلوب بالقرآن، وفتحوا القرى والمدائن به وبالسنان هم أنصار الدين في مبتدأ نشأته، بذلوا المُهج يوم بخل أهل الدراهم بدراهمهم رجال المغارم يوم يندس المغرورون في ثيابهم، هم لله -عز وجل- قلوبًا وأبدانًا ودماءً وأموالاً.
لم يجعلوا همَّهم حشو البطون ولا لبس الحرير ولا الإغراق في النعم
حفظوا الشرع من أهواء الزائغين، وحموا الملة من زحف المناوئين شهدوا التنزيل، وعرفوا التأويل حملوا الوحْيَين، وحضروا البيعتين، وصلَّوا أو أغلبهم صلى إلى القبلتين.
كلهم له همٌّ، وهمهم رفعة لا إله إلا الله، وكلهم له قصد، وقصدهم الجليل في علاه خرجوا من أموالهم لله ولرسوله، فما شفا ذلك لهم غليلاً، فأبوا إلا أن يقدموا الجماجم، ويسيلوا الدماء، ويستعذبوا العذاب في ذات ربهم فرضي الله عنهم وأرضاهم، وأكرم في جنات الخلد مثواهم:
بيضُ الوجوه ترى بطون أَكُفِّهِم تندى إذا اعتذر الزمانُ الممحلُ
من كان متأسيًا فليتأس بهم؛ فهم أبر هذه الأمة قلوبًا، وأعمقها علمًا، وأقلها تكلُّفًا، وأقومها هَدْيًا، وأحسنها حالاً.
همُ الرجال بأفياء الجهاد نَمَوْا وتحت سقفِ المعالي والنَّدى وُلِدُوا
جباهُهم ما انحنت إلا لخالقها وغير من أبدع الأكوان ما عبدوا
الخاطبون من الغايات أكرمها والسابقون وغير الله ما قَصَدُوا