في عام الرَّمادة؛ وهو عام شديد القحط والجدب، ما قُدِمَت له لقمة طيبة فأكلها بل كان يؤثر بها الفقراء والمساكين، يوم زار الشام جِيء له بطعامٍ طيب، فنظر إليه وقال:[[يا لله! كل هذا لنا، وقد مات إخواننا لم يشبعوا من خبز الشعير؟! والله! لا أطعمه]].
إن جاع في شدةٍ قومٌ شركتهم في الجوع أو تنجلي عنهم غواشيها
جوع الخليفة والدنيا بقبضته في الزهد منزلة سبحان مُوليها
يتغير لونه في عام الرمادة من أبيض حتى يصبح مسودًّا من شدة الهمِّ بأمر المسلمين، يأكل الخبز بالزيت، ويمسح بطنه ويقول- كما رواه الإمام أحمد بإسناد صحيح-: [[والله! لتمرننَّ أيها البطن على الخبز والزيت مادام السمن يباع بالأواقي، والله! لا تشبع حتى يحيا الناس]] عقمت نساء الأرض أن يُنْجِبْن مثلك يا عمر.
يقول أسلم -كما في تاريخ عمر لـ ابن الجوزي -: كان يقوم يصلي من الليل، فيذكر ما حلَّ بالمسلمين فلا يدري ماذا يصلي، يقول: إني لأفتتح السورة فما أدري أنا في أولها أم في آخرها، لما أعلم مما يلاقي المسلمون من الشدة.
وحدث الواقدي قال: حدثنا هشام عن سعد عن زيد بن أسلم عن أبيه قال: لما كان عام الرَمَادَة جاءت وفود العرب من كل ناحية فقدموا المدينة فأمر عمر رجالاً يقومون بمصالحهم، فسمعته يقول ليلةً من الليالي: أحصوا من يتعشى عندنا، فأحصوهم في القابلة فوجدوهم سبعة آلاف رجل.
أما المرضى والعيال الذين لا يحضرون تلك المائدة فقد بلغوا أربعين ألفًا، فكان يرسل إليهم عشاءهم في بيوتهم.
فما برحوا حتى أرسل الله السماء، فوكل عمر بهم من يخرجهم إلى البادية ويعطيهم قوتًا وحملانًا ومتاعًا، وكان قد وقع الموت فيهم فأراه قد مات ثلثاهم، وقد كانت قدور عمر رضي الله عنه وأرضاه يقوم لها العمال من وقت السحر ليعملوا الطعام، ونفد ما في بيت المال، فلم يبق منه قليل ولا كثير.