هاهو رجل كان يُكاري على بغلٍ له بين دمشق والزبدان كما يروي ابن كثير، وجاء يوماً من الأيام قاطع طريق فركب معه وذهبا في الطريق، وبينما هو في الطريق قال: اسلك هذه الطريق فهي أيسر وأقرب، قال: أنا منذ فترة وأنا أسلك هذا الطريق وأعرفها.
قال: هذا أقرب وأيسر.
فصدقه وذهب معه، فجاء إلى وادٍ سحيق وإذ بهذا الوادي فيه جثث القتلى كثير، وإذا به يأتي بالناس إلى هناك فيذبحهم ثم يسرق ما معهم، ظلم وأي ظلم!
جاء بهذا الرجل وأراد أن يقتله فهرب الرجل، فلحق به وأمسك به، قال: يا أخي! خذ كل ما أملك، خذ بغلتي، وخذ ثيابي، وخذ دراهمي، وخذ كل ما تريد ودعني أرجع.
قال: لابد من قتلك، قال: إن كان لابد فدعني أصلي ركعتين أودع بهما الدنيا.
يلجأ إلى الله -جل وعلا- قال: فقمت أصلي، وهو قائم عليَّ بالحربة يريد أن يقتلني، قال: فضيعت القرآن وأنا أرى الحربة فوق رأسي، فوالله! ما استحضرت آية من القرآن إلا أنني تذكرت قول الله:{أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ}[النمل:٦٢] قال: فكررتها وإذ بفارس من فم الوادي يخرج على فرس ومعه حربة فينطلق حتى يضربه بالحربة فيرديه قتيلاً، قال: فتعلقت بثيابه، وقلت له: أسألك بالله من أنت؟ قال: أنا من جنود الذي يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء.
دعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب.
دخل طاوس -عليه رحمة الله- على هشام بن عبد الملك ينصحه ويعظه ويحذره الظلم، ويقول له: اتق الله يا هشام! ولا تنس يوم الأذان.
قال: وما يوم الأذان يا طاوس؟! قال:{فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ}[الأعراف:٤٤] فأغمي عليه.
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كما في الحديث القدسي:{يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا}.
وآخر يغدو ليعتق نفسه فلا يظلم أحداً، إن تكلم فبالعدل، وإن حكم فبالعدل، وإن خاصم فبالعدل، وإن عاهد فبالعدل، والمقسطون العادلون يوم القيامة على منابر من نور على يمين الرحمن، وكلتا يديه يمين، لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، فأي الغاديين أنت؟ فكلٌّ يغدو فبائعٌ نفسه فمعتقها أو موبقها.