[أبو بكر من أهل الجنة]
هاهو أولهم -وهو خير من دب على الثرى بعد الأنبياء والمرسلين- أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه الذي كان سنداً للمصطفى صلى الله عليه وسلم قدم ماله وأهله وكل شيء في سبيل الله يريد ما عند الله، فماذا قدم الله له من جائزة؟
اسمعوا إليه يوم يأتيه محمد صلى الله عليه وسلم يدعوه ويدعوني ويدعوك ويدعو كل إنسان إلى قيام الساعة فيقول: {قولوا لا إله إلا الله تفلحوا}.
يريد أن ينقذهم من النار، لكن بعض الناس كالفراش لا يزال يرى النور فيتركه ويرمي بنفسه في النار.
فيقول أبو بكر -ماذا قال؟ أنفكر أو ننظر في هذا الأمر-: ما جربت عليك كذباً، أشهد أنك رسول الله وأشهد أن لا إله إلا الله، قبل ذلك مُدَّ يدك أبايعك.
فكانت أول يد امتدت إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم هي يد أبي بكر رضي الله عنه الذي هضم حقه ولعنه بعض الذين أخذ الله سمعهم وأبصارهم، فرضي الله عنه وأرضاه ولعن من أبغضه وعاداه.
يا أيها الإخوة: هل وقف أبو بكر بعد أن قال لا إله إلا الله؟
لا والله! بل قام بعد ذلك كلما سمع أمراً للمصطفى صلى الله عليه وسلم بلغه، وجاءه الصادون عن سبيل الله -يوم أُسري بالنبي- يقول رسولك -كما تزعم- أنه ذهب وعاد في ليلة، ونحن نضرب أكباد الإبل إلى بيت المقدس شهراً، كانوا يظنون أن أبا بكر سيقول: أما هذه فلا، قال: إن كان قال فقد صدق.
يا ليت ذلك عنوان لنا في كل لحظة من لحظاتنا؛ يوم نسمع أوامر المصطفى؛ يوم نسمع أحاديث المصطفى نقول: إن كان قال فقد صدق، سمعنا وأطعنا.
فهل اكتفى بالتصديق فقط؟ لا.
بل خرج من عند المصطفى صلى الله عليه وسلم وهو لم يحفظ سوى بعض آيات من القرآن -لكنه رأى أن المسئولية عظيمة، وأن الخطب جسيم، وأن المؤمن له دور في بيته وفي مجتمعه، له دور سيسأله الله يوم يقف بين يديه: ماذا قدم لهذا الدين؟ وماذا عمل لهذا الدين؟ وعاد وقد أدخل ستة من العشرة المبشرين بالجنة في دين الله.
فلا إله إلا الله! يأتي يوم القيامة وقد أدخل في دين الله ستة من العشرة المبشرين بالجنة.
يأتي وهم في ميزانه يوم يلقى الله جل وعلا، وهل اكتفى بذلك؟
لا.
بل صَفَّى تجارته وأمواله -أربعين ألفاً- ثم أخذها، فإلى أين يذهب؟ رأى المستضعفين من المسلمين ورأى الموالي الذين شهدوا أن لا إله إلا الله يوم رفض الشرفاء -كما يزعمون- والكبراء، رآهم يستضعفون ويذلون، خشي عليهم أن يفتنوا في دينهم، فقال: أتاجر مع الله.
ونعمت التجارة في شراء هؤلاء وإعتاقهم لوجه الله تعالى.
يمر على بلال في بطاح - مكة - وأهل مكة! أعلم بشدة الحر في هذه البطاح- يمر عليه في الرمضاء وهو يضرب ويوضع فيها وتوضع الحجارة على صدره رضي الله عنه وأرضاه، وإذ به يقول: أحد أحد.
يتعلق بالله فيقول له: أحد ينجيك أحد ينجيك.
يعني الله الأحد سينجيك يا بلال! ويذهب وهو يحترق لما يرى، فهل جلس في بيته وبقي يتكلم ويقول: إنا لله ولا حول ولا قوة إلا بالله؟
لا.
بل ذهب وأخذ خمسة أواق من ذهب من حر ماله وذهب بها إلى أمية بن خلف، إلى سيد هذا -مع أن بلالاً سيد له، وما كان سيداً الكافر أبداً- وقال: هذه خمس أواق من ذهب، أتبيعني بلالاً؟ قال: أبيعكه لا خير فيه؛ لأنه استعصى عليه ورفض أن ينساق معه إلى النار، فأخذ منه الخمس الأواقي، وقال: والله! لو أبيت إلا أوقية واحدة لأعطيتك بلالاً، فهو زاهد فيه، قال: والله! لو أبيت إلا مائة أوقية من ذهب لأعطيتك إياها؛ لأن لـ أبي بكر معايير ومقاييس ليست لذاك ولأمثال ذاك من الذين أخذ الله سمعهم وأبصارهم.
فهل وقف عند ذلك؟
قام المستهزئون وقام الساخرون يقولون: ما أنفق أبو بكر هذا المال وأعتق بلالاً إلا ليد كانت لـ بلال عنده أي: لنعمة ولمعروف قدمه بلال يريد أن يكافئه أبو بكر، لكن الرد جاء ممن يدافع عن الذين آمنوا، من الله جل وعلا يأتي فوراً الرد وينزل به جبريل على المصطفى صلى الله عليه وسلم: {وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى} [الليل:١٩] ما لأحد عند أبي بكر من نعمة تجزى: {إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى} [الليل:٢٠] ما جزاؤك يا أبا بكر: {وَلَسَوْفَ يَرْضَى} [الليل:٢١].
من الذي وعده بالرضا؟ الذي خلقه والذي أمره والذي أعد له ما أعد، والذي جعل إعتاق الأرقاء من أعظم الأعمال.
فهل توقف أبو بكر عند هذا؟
لا والله! ما توقف وما كان له أن يتوقف.
ووالله! لو استرسلنا في كلامنا عن أبي بكر لما كفانا هذا المجلس ولا مجالس أخر ولكن حسبنا منه هذه المواقف.
ماذا أعد الله عز وجل له؟
يدعى أما أبو بكر يوم القيامة من أبواب الجنة الثمانية، كل من باب، كما أخبر بذلك المصطفى صلى الله عليه وسلم.
هل أبو بكر فقط؟
ننتقل لغيره لنرى ونعلم أن هناك رجالاً قد قدموا وأننا إذا مشينا على ما مشوا عليه واقتدينا بما اقتدوا به وصلنا إليهم بإذن الله جل وعلا.