للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[صور من تواضع عمر]

صورة أخرى: كان -رضي الله عنه- عظيم التواضع للخلق والحق، وكل الصور تدل على ذلك.

رفعه الله بتواضعه درجات في الجنة.

[[فعن الفضل بن عميرة أن الأحنف بن قيس قدم على عمر في وفد من العراق في يومٍ صائفٍ شديد الحر وهو محتجز بعباءة، يهنأ بعيرًا من إبل الصدقة، فقال: يا أحنف! ضع ثيابك، وهلم فَأَعِنْ أمير المؤمنين على هذا البعير؛ فإنه من إبل الصدقة، فيه حق لليتيم والمسكين والأرملة، فقال رجل من القوم: يغفر الله لك يا أمير المؤمنين! هلا أمرت عبدًا من عبيد الصدقة ليكفيك هذا.

قال عمر: ثكلتك أمك، وأُيُ عبدٍ هو أعبد مني ومن الأحنف؛ إنه من ولي أمر المسلمين فهو عبد المسلمين، يجب عليه ما يجب على العبد لسيده من النصيحة وأداء الأمانة]].

فيا لله! ورب عمر إن مشهدًا كهذا خير من الدنيا وما فيها.

يقول عبد الله بن عمر بن حفص: إن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كان يحمل القِرْبَة على عنقه، فيقال له في ذلك فيقول: إن نفسي أعجبتني فأردتُ أن أذلها.

بل إنه لربما أخذ بيد الصبي يلقاه، فيقول له: ادْعُ لي؛ فإنك لم تذنب قط.

بل إن ابن عباس -رضي الله عنه- دخل عليه يوم طُعِنَ فقال: [[أبشر يا أمير المؤمنين! أسلمت حين كفر الناس، وقاتلت مع رسول الله حين خذله الناس، وتوفيَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وهو عنك راضٍ، ولم يختلف في خلافتك رجلان.

فقال عمر: أعد، أعد.

فأعاد.

فقال عمر: المغرور مَنْ غُرَّ.

ولو أن لي ما على ظهرها من بيضاءَ وصفراءَ لافتديتُ به من هَوْلِ المطلع، وددتُ أني أنجو كَفافًا لا أجر لي ولا وزر]].

{تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [القصص:٨٣].

وكان متواضعًا للحق يقبله في السر والعلن، لقد كان بينه وبين رجل كلام في شيءٍ - كما أورد ابن الجوزي في تاريخه - فقال له الرجل: [[اتق الله يا أمير المؤمنين! فقال له رجل من القوم: أتقول لأمير المؤمنين: اتق الله؟!

فقال له عمر على الفور: دعه، فليقلها لي، نِعْمَ ما قال؛ لا خير فيكم إذا لم تقولوها، ولا خير فينا إن لم نقبلها منكم]].

يا ليت هذه الكلمة تكون عنواناً ولجامًا يلجم به نفسه كل من ولي من أمر المسلمين شيئًا صَغُر أو كَبُر؛ إذًا لصلح الحال، وتغيرت الأحوال، وكسدت سوق النفاق،

ولكن

أشد عيوبنا أنَّا إذا ما نُصِحْنَا خَدَّرتْنَا الكبرياء.