يا فتى الإسلام: أما وقد أخذت بالسبب، وحلقت بجناحي الإخلاص والمتابعة تقصد البحر، فألحقْ ذلك بهمَّةٍ عالية؛ فإن الهمة طريق إلى القمة، بادر ولا تعجل، أسرع ولا تضجر، أقبل ولا إلى الخلف تنظر.
إن الطريق إلى الله واضحة مستقيمة، ما يتردد ولا يتلكأ فيها إلا الذي لا يعرفها، أو يعرفها ويتقي متاعبها، والطرق شتى، طريق الحق واحدة:
والسالكون طريق الحق أفذاذ.
فبادر وسر إلى الله بهمِّة الحازم، فإنما هو شبر بذارع، وذراع بباع، ومشي بهرولة.
كما في الحديث القدسي الصحيح:{وإن تقرب إليَّ شبراً تقربت إليه ذراعاً، وإن تقرب إليَّ ذراعاً تقربت إليه باعاً، وإن أتاني يمشى أتيته هرولة}.
همٌ بالحسنة حسنة، وهم بالسيئة بلا عمل لها حسنة، حسنة بعشر وسيئة بمثلها، وفي الحديث القدسي الصحيح:{ولا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه}، لا يهلك إلا هالك، ولا يُحرم إلا محروم.
إذا كنتَ في الدُنيا عن الخيرِ عاجزاً فما أنت في يوم القيامةِ صانعُ
أين المبادرون؟ أين أصحاب الهمم؟ إنما هي خمس أو عشر سنين فحسب.
يا نفس ما هو إلا صبرُ أيامِ كأن مدَّتها أضْغاثُ أحلامِ
إن عاش الرجل ستين سنة، نام الليل فذهب نصفها ثلاثون سنة نوماً، ونام ثلث النهار راحة وقيلولة، فذهب ثلثاها؛ أربعون سنة نوماً، وبقي عشرون سنة، منها خمسة عشر سنة قبل البلوغ والتكليف، فبقي العمر الحقيقي لابن الستين، خمس أو عشر سنوات، لله ما أقلها! ذاك لابن الستين، فكيف بابن الثلاثين والعشرين؟!
يا نفسُ قومِي فقد نام الوَرى إن تصنعي الخيرَ فَذو العَرْش يَرى
وأَنتِ يا عينُ دَعِي عنك الكَرى عند الصباح يَحْمد القومُ السرى