[حقيقة التقوى]
مما سمعتم -أيها المؤمنون- يتجلى لنا مظهر أفراد المجتمع المسلم في ظل إدراكهم الصحيح لمفهوم الإسلام، فليست المسألة عندهم فرائض يفرضها هذا الدين على الناس بلا موجب إلا رغبة التحكم في العباد، بل هي مسألة وجود الإنسان إذا رغب أن يكون إنساناً حقاً، لا مجرد كائن يأكل الطعام، ويشرب الشراب، ويقضي أيامه على الأرض كيفما اتفق؟!
بل هي وضع للإنسان في وضعه الصحيح كإنسان، يستشعر رقابة المولى، وتلك حقيقة التقوى.
عباد الله: هل استشعر رقابة الله واتقى الله حقيقة من يشهد أن لا إله إلا الله، ويصبح دائباً مُجدّاً مجتهداً في مطعم حرام، وملبس حرام، وغذاء حرام؟
يصبح وقد ضرب هذا، وشتم هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، ووقع في عِرْض ذاك وذا.
يصغر ذا بأراجيفه ويرجو بذلك أن يكبرا
ولو عاش في عالم أمثل لكان من الحتم أن يصغرا
هل استشعر رقابة الله من يجلب النار ليحرق بيته وأهله؟
من يخرب بيته بيده بوسائل لا تزال تمطره بوابل أو طلٍّ من أغانٍ وأفلام ماجنة، وقصص سافلة، وترويض للنفوس على الكذب والنفاق وقلب الحقائق؟
قائم على هدم بيته كالدودة التي تخرج من الميت، ثم لا تأكل إلا ذاك الميت.
ألم يستشعر أنه لو مات على حالته تلك؛ مات غاشّاً لرعيته، خائناً لأمانته، حاملاً وزره ووزر ما جلبه لبيته على ظهره يوم القيامة بقدر ما أفسدت هذه الوسائل في نفوس أبنائه وأهله من غير أن ينقص من أوزارهم شيئاً.
والله! لا يُعفيك من حساب الله، ولا من لوم الناس، ولا تأنيب الضمير أن تقول: أنا ضحية، وما البديل، وما البدل، وما المبدل منه، وبيتك حقلٌ لاستقبال الأفكار والأوضار والأقذار، تنبت فيه وتنمو وتترعرع، وأنت تسأل ماذا أفعل؟ لا يفلُّ الحديد إلا الحديد، والباب الذي يأتيك منه القبيح لا حيلة فيه إلا بسدِّه لتستريح.
ألا إن الشَّراب له إناءُ فإن دنَّسته دَنِس الشَّراب
أَمَا في هذه الدنيا أمورٌ سوى الشهوات تحرزها الطلاب
أما في هذه الدنيا أسودٌ كما في هذه الدنيا كلاب
بلى.
يمنع الليث حِمَاه أن يرى فيه كلباً عادياً إن زأرا
هل استشعر رقابة الله من يتعبد بأعمال ليس عليها أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وحجته ازدياد الخير، وحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكم من مريد للخير لا يصيبه؟
أي فتنة أعظم من أن ترى أنك خصِّصت بفضل لم يُخصّ به رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه؟ {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور:٦٣].
هل استشعر رقابة الله من ليله سَهَر على ما حرم الله، ويصبح مجاهراً بمعصية الله؟
من إذا وصل إلى بيئة أجنبية لا يُعرف أَمِن اليهود هو، أم من النصارى والمجوس والذين أشركوا؟
كلفظ ما له معنى كتمثال من الجبس
يسير لغير ما هدف ويصبح غير ما يمسي
حقيقة الكلمة: لَجَأٌ إلى الله، وتَعرَّفٌ عليه في الشدة والرخاء، لا على سواه، عرَّافاً كان أو ساحراً أو كاهناً أو مقبوراً:
لا قبة ترجى ولا وثن ولا قبر ولا نصب من الأنصاب
الله ينفعني ويدفع ما بي
بالله ثق وله أنب وبه استعن فإذا فعلت فأنت خير مُعَانٍ