[دعوة الوالدين مستجابة]
وهاهي قصة أخرى لتعلموا أن دعوة الوالدين مستجابة، فسلطوها فيما ينفع الأبناء في دنياهم وأخراهم.
داعية من الدعاة إلى الله يذكر عن أبيه، يقول: كان أبي في سن الشباب وَجَدُّهُ كان رجلاً صالحاً، قال: وأنا في سن الشباب فُتِحَ القبول في السلك العسكري في المملكة قبل فترة طويلة، قال: وكان عندي غنم كنت أرعاها، فقلت: لأذهبن مع الناس لأُسجل في العسكرية، فقال لأبيه: أُريد أن تأذن لي أن أذهب، فماذا كان منه؟ ما كان منه إلا أن قال: أنا لا أستطيع فيك يا بنى، أما أن آذن لك فوالله لا آذن لك، أما إن ذهبت فوالله الذي لا إله إلا هو فما لي إلا سهم أوجهه إلى الله في منتصف الليل ولعل الله لا يرده.
فذهب الرجل وخاف أن يذهب ويترك والده وبقي فترة ثم أغراه ذهاب الناس إلى هناك واستلام الرواتب وأغرته الدنيا، فترك غنمه مع غنم جيرانه وذهب، وقال: لا تخبروه عني إلا في الغد، فذهب وترك والده ولم يستأذنه ولم يخف من ذلك السهم الذي قال له.
وفي اليوم الثاني: يُخبر أبوه بأنه قد ذهب مع مجموعة ليُسجل في العسكرية بـ الطائف قال: فدعا عليه أبوه، وبينما هم في منتصف الطريق وإذ بالولد يعمى ولا يبصر شيئاً، فأخذوه وتقدموا به إلى الطائف وجاءوا إلى هناك فقالوا: هذا لا يصلح للعسكرية، هذا أعمى أعيدوه لوالده، فأخذوه وذهبوا به إلى والده، ولا يدرى والده ماذا حدث له.
وعندما دخلوا من الباب سمعه والده وعرف صوته وهو في فناء البيت لم يدخل بعد، قال: يا بُني! هل أصاب السهم أم لم يصب؟ قال: إي والله! إني لأدخل عليك أعمى مقاداً، فدخلوا به عليه فتأثر الأب تأثراً عظيماً، وندم أن دعا على ولده بهذه الدعوة، وبقى ليلته تلك في حزن لا يعلمه إلا الله، فقام يتوضأ ويصلي ويدعو الله أن يرد عليه بصره.
يقول: ومن حزنه على ولده يتقدم إلى عين ولده وهو نائم فيلحسها بلسانه، ثم يرجع فيصلي ويدعو الله، ثم يرجع مرة أخرى فيلحس عينه بلسانه وهكذا يرددها، يقول: والله! ما طلع الفجر إلا ورد الله -سبحانه وتعالى- عليّ بصري.
فهذه دعوة الوالدين.
وأنا لا أدعو الوالدين إلى أن يدعوا على أولادهم، وإنما أدعوهم أن يدعوا لأولادهم بالفلاح والسعادة، فإن فلاحهم وسعادتهم قد تدركك ولو بعد موتك، أسأل الله أن يوفقنا وإياكم لصلة الأرحام، وأن يجنبنا وإياكم العقوق، إنه وليّ ذلك والقادر عليه.
عبد الله بن عمر يرى طائفاً يطوف بالكعبة وهو يحمل أمه على كتفيه، ويقول: يا بن عمر! أتراني أوفيت أمي حقها؟ والله! إنها لعلى ظهري من كذا إلى الآن.
قال: لا والله! ما أوفيتها طلقة من طلقات الولادة.
العقوق دَين، وبروا تُبروا.
أسأل الله -عز وجل- أن يوفقنا وإياكم إلى صلة الأرحام وأن يجنبنا العقوق.
وهاهو غادٍ آخر يغدو ليبر والديه ويصل رحمه، فيصله الله -عز وجل- ويبره ويوفقه ويسدده ويدخله الجنة بإذنه سبحانه، شعاره:
{ليس الواصل بالمكافئ، وإنما الواصل من إذا قطعته رحمه وصلها}.