للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[صفية بنت عبد المطلب الصابرة المجاهدة]

هاهي صفية بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، تِلْكُم المرأة الحازمة التي ربَّتْ للأمة أول فارس سلَّ سيفاً في سبيل الله، توفي عنها زوجها وترك لها الزبير -وهو طفل صغير- فنشَّأته على الخشونة والبأس، وربَّتْه على الفروسية، لم تُنشِّئْه على التنعُّم والترفُّه والميوعة حتى أصبح الأطفال والرجال -الآن- أشباه رجال ولا رجال، جعلت لعبَه في برْيِ السهام وإصلاح القسي، لم تجعل لعبه في لعب الكرة، وفي مطاردة الدراجات في الشوارع يميناً وشمالاً؛ يتسكعون.

كانت تقدمه في كل مخوفة، وكانت ترميه في كل خطر؛ تريد أن يكون لَبِنَة صالحة في هذا المجتمع؛ فإذا تردد عنها ضربته وأوجعته، حتى إنَّ أحد أعمامه يوماً من الأيام قال لها: إنكِ تضربينه ضربَ مبغضةٍ لا ضرب أم، فارتجزت قائلة:

من قال قد أبغضته فقد كذب وإنما أضربه لكي يَلُبَّ

ويختم الجيش ويأتي بالسلب.

هاجرت إلى المدينة النبوية، وهي تقفو إلى الستين من عمرها، تركت مدارج الشباب، وتركت مكة، وهاجرت بدينها فارَّةً إلى الله -جل وعلا- في المدينة، شاركت في يوم أحد لما رأت ما حل بالمسلمين، وهي تسقيهم بالماء، هبَّت كاللبؤة، وانتزعت رمحاً من أَحَد المنهزمين، ومضَتْ تشق الصفوف به، وتزأر وتقول: [[ويحكم أتنهزمون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟]] فلما رآها النبي صلى الله عليه وسلم خشيَ أن ترى أخاها حمزة وقد مثَّل به المشركون؛ فما كان منه إلا أن أشار إلى ابنها الزبير، وقال: {دونك أمك} أو كما قال صلى الله عليه وسلم.

فقال الزبير: [[يا أماه! إليكِ يا أماه إليكِ.

قالت: تنحَّ عني، لا أمَّ لك.

فقال: إن رسول الله يأمركِ أن ترجعي.

قالت: الأمر أمر الله وأمر رسوله]] فتوقفت.

ثم قالت: [[والله لقد بلغني أنه مُثِّلَ بأخي حمزة ولأصبرنَّ، وذلك في ذات الله وفي سبيل الله]] ثم انتهت المعركة، وما كان منها إلا أن وقفت على أخيها وقد بُقرَ بطنُه، وأُخرِجت كبدُه، وجُدِع أنفه وأُذناه، وشُوِّهَ وجهُه، فاستغفرت الله له، وجعلت تقول: [[في ذات الله، لقد رضيت بقضاء الله لقد رضيت بقضاء الله]].

لم تلطم خدّاً، ولم تُشق جيباً، ولم تنُحْ، وما كان لها أن تكون كذلك.

وها هي في يوم الخندق يوم وضع النبي صلى الله عليه وسلم النساء في حصن حسان -وهو حصن من أمنع الحصون- ولم يترك معهن من الرجال، فذهب الجيش إلى الخندق، وما كان منها إلا أن رأت يهودياً يتسلل إلى القصر، وإلى هذا الحصن يريد أن ينظر هل في الحصن رجال أم يستخلي اليهود بهذا الحصن؛ ليسلبوا النساء والذراري؟

لما رأته أخذت عموداً من الحصن، ثم هجمت عليه حتى قتلته، ثم لم تكتف بذلك فاحتزت رأسه واقتطعته، وأخذته وخرجت إلى أعلى الحصن، ثم رمَتْ برأسه على اليهود يتدحرج بينهم، فقالوا: قد علمنا أن محمداً لن يترك النساء بلا رجال.

رضي الله عن صفية، ربَّت وحيدها أحسن تربية، وأُصيبَتْ في شقيقها، فاحتسبت ذلك، وعملت لهذا الدين، وحملت همَّ هذا الدين، وهكذا يكون نساء المسلمين أيتها الأخوات.