أحبتي في الله! أسعد ساعة في العمر، وأصدق لحظة في الحياة؛ تلك الساعة التي يقف العبد فيها مع نفسه محاسباً، وقفة العتاب، وقفة الملامة، إنها ساعة المخطئين المنيبين إلى رب العالمين، إنها ساعة المنكسرين من خشية إله الأولين والآخرين، إنها ساعة العتاب، إنها ساعة الحساب التي يتذكر فيها العبد ما أصاب، أيام خلت وليالٍ مضت قد قصر فيها في جنب الله، إذا تذكر السيئات وما أصاب من الأوزار رق قلبه، وانكسر فؤاده من خشية الله، تذكر حقوقاً لله ضيعها، وحدوداً لله جاوزها، ومحارم لله انتهكها؛ فانكسر فؤاده من خشية الله، ورقَّ قلبه خوفاً من الله، إنها ساعة الحزن والندامة والأسى على التفريط في جنب الله، لكن سرعان ما يزداد الألم والندم إذا تذكر أنه إلى الله صائر وراجع ومسئول، وأنه مرتحل من هذه الدنيا ليقف بين يديْ جبار السماء والأرض، ثم يسأل نفسه، كيف ألقاه وحقوقه ضيعت؟! كيف ألقاه ومحارمه انتهكت؟! كيف ألقاه وحدوده تجاوزت؟! كيف ألقاه؟! بأيِّ وجه ألقاه؟! بأيِّ قدم أقف بين يديْه؟!
عندها ينكسر قلبه ويرقُّ فؤاده، ولا يجد إلا أن يدمع من خشية الله، ثم لا يملك إلا أن يرفع يديْه، ربَّاه أسأت، ربَّاه ظلمت، ربَّاه أسرفت، ربَّاه ذنوبي من أرجو لها سواك؟ من يفتح الباب إن أغلقتَه؟ من يعطي العطاء إن منعتَه؟ فيصلح الحال، وتُبدَّل السيئات -بإذن الرب- إلى حسنات؛ فالبدار البدار.