بدأ أبو بكر خلافته بتطبيق ذلك المنهج الذي أخذه من النبي صلى الله عليه وسلم، وبدأ ببعث جيش أسامة، وكان صلى الله عليه وسلم قد عقد اللواء لـ أسامة وهو لم يتجاوز الثامنة عشرة، أمر الجيش بالتوجه إلى الشام في وقتٍ ارتدت فيه بعض قبائل العرب، وعظم الخطب، ونجم النفاق، وصار المسلمون كالغنم المطيرة في الليلة الشاتية لفقد نبيهم وكثرة عدوهم، فأشار الناس على الصديق ألا يبعث جيش أسامة، وأن يؤجل ذلك، ومن جملة من أشار بذلك عمر، فوثب أبو بكر وثبة الأسد، وأبى أشد الإباء، وقال:[[والذي نفسي بيده لا أحل عقدة عقدها رسول الله، والذي لا إله إلا هو لو ظننت أن الطير تخطفني، وأن السباع من حول المدينة، أو أن الكلاب جرت بأرجل أمهات المؤمنين ما رددت جيشاً وجهه رسول الله، وما حللت لواءً عقده رسول الله، والله لو لم يبق في القرى غيري لأنفذته]] لسان حاله أفأطيع رسول الله حياً وأعصيه ميتاً؟! فيا للحزم ويا للاتباع!
أسدٌ يقدم في ذاك الوغى رحمة الله على ذاك الأسد
استعرض الجيش، وأمرهم بالخروج رغم الأعداء، ورغم إحاطة الأعداء بموطن الدعوة والرسالة، ومع ذلك يخرج طاعة لله وطاعة لرسوله صلى الله عليه وسلم، ويبلغ من تكريمه لـ أسامة رضي الله عنه أن خرج في توديعه ماشياً وأسامة راكباً، يقول أسامة:[[لتركبن أو لأنزلن -فيعلن أن من تواضع لله رفعه- فيقول أبو بكر: والله لا نزلت ولا أركب، وما عليَّ أن أغبر قدمي هاتين ساعة في سبيل الله]] لقد كان أبو بكر مسدداً رشيداً، فإخراجه لجيش أسامة حقق للأمة مصالح عظيمة، فما مر الجيش على حي من أحياء العرب إلا أرعبهم، وأثبت أن الضعف لم يتسرب إلى الأمة بعد وفاة نبيها.
تقول قبائل العرب التي ارتدت: ما أخرج أبو بكر الجيش إلا لقوة ومنعة عنده، اتجه أسامة بجيشه إلى البلقاء، ورجع من هناك بعد سبعين يوماً بعد أن قضى على كل من وقف بوجهه من أعداء الإسلام، رجع مظفراً منصوراً، قد انتقم للمسلمين ولأبيه وأرضى ربه ونبيه والمسلمين، وكل ذلك والله ثمرة للاتباع، أطاع أبو بكر ربه بطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله الرعب في قلوب أعداء الله، فكان النصر الأول على الروم يشهد بعظمة الصديق، وسداد رأيه وصلابة موقفه وحزمه، وكل ذلك ثمرة للاتباع.
بمثل هذه المواقف ثبت الصديق أركان الدولة، وعزز هيبة المسلمين.
لا تعرضن بذكرنا مع ذكره ليس الصحيح إذا مشى كالمقعد