فإن لم يحرك فيك أهل الدنيا وكدحهم في دنياهم شيئًا، فانظر إلى الكفار، إلى حطب جهنم، كيف يلهثون وراء أهدافهم المؤقتة، ويتفانون لها مع أنه لا عقبى لها!
هاهو مخترع الكهرباء يترك المدرسة بعد أن وصفه معلمه بأنه ليس مؤهلاً للاستمرار في المدرسة، وتذهب أمه إلى المدرسة متألمة لمواجهة معلمه، لتقول له: إنك لا تعرف معنى ما تقول، وكل المشكلة أن ابني أذكى منك.
ثم أخذته وعلمته في بيتها، حتى أعطته من علوم الدنيا وعلوم المادة ما يستطيع أن يستمر به؛ فلم يُفَلَّ عزمه مع طرده من المدرسة؛ بل تراه يثابر ويكافح ويبدأ في تجاربه، ليخترع المصباح الكهربائي بعد تسعة آلاف تجربة، بعمل يتراوح ما بين ثمان عشرة ساعة وعشرين ساعة في اليوم، في جَلَد عجيب، ثم لم يتوقف بعدها؛ فالنجاح -دائماً- يجر إلى النجاح، فينطلق في عشر سنوات أخرى من البحث والجهد في تجارب بلغت خمسين ألف تجربة، بتكلفة ثلاثة ملايين دولار، ليخترع بطارية السيارات وأجهزة الإشارة في السكك الحديد والإضاءة في الغواصات، ويُسأل: متى الإجازة يا أديسون؟
قال: في اليوم الذي يسبق جنازتي.
فهل استفاد أديسون من إضاءة المصباح واختراع البطارية؟
هل استفاد فائدة؟
نعم.
إنه استفاد شهرة ومالاً، لكنها مؤقتة تزول وتنتهي، لا تنفعه عند الله؛ لأنه لم يقل يومًا من الأيام:(رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين){وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا}[الفرقان:٢٣] أفلا حياء من الله أن يكون كافر مثل هذا أشد تجلُّدًا لأهدافه المؤقتة الوضيعة من مؤمن يؤمن بالله والدار الآخرة؟! خيبة وخسارة وخذلان!
فأدنى الفوارس من يُغِيرُ لمغنمٍ فاجعل مغارك للمكارم تكرم
أيها المؤمنون لا تتوانوا فالتواني وسيلة للتباب
وإذا المصلحون في القوم ناموا نهضت بينهم جيوش الخراب
فإن كنت مع هذا كله لم تتحرك -إذ أنك زمن الهمة، مقعد العزيمة، بليد الذهن- فيحق عليك قول القائل:
يخبرني البواب أنك نائم وأنت إذا استيقظت أيضا فنائم