للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[العمل بالكتاب والسنة عند الصديق]

وها هو الصدِّيق رضي الله عنه وأرضاه يقول: [[لست تاركاً شيئاً كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل به إلا عملت به، إني أخشى إن تركت من أمره شيئاً أن أزيغ]] {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور:٦٣].

إنه الصدِّيق اتخذ الله معبوده، ورسول الله صلى الله عليه وسلم دليله وإمامه، فرجح إيمانه.

فحفت به العلياء من كل جانبٍ كما حف أرجاءَ العيون المحاجرُ

لما أشار بعض المسلمين على أبي بكر رضي الله عنه بألا يبعث جيش أسامة لاحتياجه إليه، قال: [[والله لو أن الطير تخطفني، وأن السباع من حول المدينة، وأن الكلاب جرت بأرجل أمهات المؤمنين؛ ما رددتُ جيشاً وجهه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا حللتُ لواءً عقده رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله لو لم يبقَ في القُرَى غيري لأنفذته، أفأطيعه حياً وأعصيه ميتاً!]] فأنفذه.

فانقاد كُرهاً من أبى واستكبرا

ثم أعلنها حرباً على المرتدين، فقيل له: [[إنهم يقولون: لا إله إلا الله، قال: والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، والله لو منعوني عَناقاً أو عِقالاً كانوا يؤدونه لرسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه]] فنصر الله به دين الله:

قاد السفينَ بجرأة ومهارة كالطَّود نحو مسيرة لا تُهْزَمُ

وارتدت العرب الغلاظ فأشفقتْ همم الرجال فصاح: هل مَن يفهمُ؟

والله لو منعوا عِقال نويقةٍ أدَّوه نحو المصطفى لن يَسلَموا

ومضى أبو بكر لغايته إلى أن أخضع المرتد وهو مرغمُ

هذا هو الإسلام في عليائه مُثُلٌ وأعلامٌ ودينٌ قَيِّمُ

ذاق طعم الإيمان مَن رضي بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً، وتلك سهلة بالدعوى واللسان؛ لكنها صعبة عند التحقيق والامتحان.

الرضا -معشر الإخوة-: كمال الانقياد والاستسلام لأوامر الله ونواهيه، ولو خالف المرء شيخه وطائفته ومذهبه وهوى نفسه.

مستمسكاً بعرى العقيدة تابعاً ولغير شرع الله لا يستسلمُ

لا يوقف تنفيذ قول الأوامر على قول شيخه أو طائفته؛ فإن أذنوا نفذ وقَبِل وإلا أعرض ولم ينفذ، وفوض الأمر لهم، والله لأن يلقى العبد ربه بكل ذنب خلا الشرك خير له من أن يلقاه بهذه الحال.

كما قال ابن القيم رحمه الله.

والحق مثل الشمس يجمل ضوؤه للمبصرين ولا يروق لأرمدِ

...

ووالله ما الأبصار تنفع أهلَها إذا لم يكن للمبصرين بصائرُ

معشر الإخوة: ذلك الجيل أسلم واستسلم وانقاد لحكم الله بلا خيار: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب:٣٦].

وبلا تنطع في البحث عن الحكمة والعلة؛ لأن ذلك ينافي التسليم والانقياد {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء:٢٣].

وبلا حرج في النفس عند تطبيق النص الشرعي: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [النساء:٦٥].

شعارهم: (بِمَ أمر ربنا؟) لا (لِمَ أمر ربنا؟) فكانوا السماء، فاسلك طريقهم، فلئن سلكتَها لقد سبقت سبقاً بعيداً إلى السمو والسماء، ولئن أخذت يميناً أو شمالاً لقد ضللت ضلالاً بعيداً، وهلكت في البيداء، وشتان ما بين السماوة والسماء!