[الوقوف على أحوال التائبين]
بادر وقف معي على أحوال التائبين؛ فإنها ذكريات متألِّمين، وذكرى المتألم تنفع المؤمنين بإذن رب العالمين، يقول صاحب رسالة: أخي الشاب إلى أين تسير: قال صاحب القصة: كنَّا ثلاثة من الأصدقاء يجمعنا الطَّيش والعبث، لا بل أربعة؛ فقد كان الشيطان رابعنا، نذهب لاصطياد أعراض المسلمين بالكلام المعسول، نستدرجهن إلى الاستراحات في المزارع البعيدة بعد موت قلوبنا وأحاسيسنا ومشاعرنا.
يقول: هكذا كانت حياتنا، يقول: أيامنا ليالينا في المزارع والمخيَّمات في السيارات على الشواطئ، إلى أن جاء يوم وذاك اليوم لا يُنسى.
ذهبت إلى المزرعة مع أصحابي، كل شيء جاهز، الشراب جاهز -ونعوذ بالله- الفريسة جاهزة -ونعوذ بالله- نسينا الطعام، ذهب أحدنا لشراء طعام العشاء بسيارته في حوالي السادسة تقريباً، مرت الساعات تلو الساعات دون أن يعود.
وفي العاشرة شعرت بالقلق، شعرت بالضيق، انطلقت بسيارتي أبحث عنه، وفي الطريق شاهدت ألسنة النيران تندلع على جانبي الطريق، يا للهول! فوجئت بأنها سيارة صديقي، النار تلتهمها، مقلوبة على أحد جانبيها، كالمجنون أسرعت أحاول إخراجه من السيارة، وجدت نصف جسده قد تفحَّم، لم يزل على قيد الحياة، سحبته إلى الأرض، فتح عينيه وأخذ يهذي: النار، النار، النار، قررت حمله بسيارتي إلى المستشفى.
فقال بصوت باكٍ حزين: لا فائدة، لن أصل، (ما عسى يُغني غريق عن غريق) خنقتني الدموع، أراه يموت أمامي، ثم فوجئت به يصرخ بأعلى صوته: ماذا أقول له؟! ماذا أقول له؟! ماذا أقول له؟!
دُهشت وقلت له: من هو؟ قال: الله، الله، ماذا أقول له؟ ثم صرخ صرخة مدوِّية، ولفظ آخر أنفاسه.
اجتاح الرعب جسدي ومشاعري، صورته لم تفارقني، يصرخ: النار، النار.
والنار تلتهمه، وهو يقول: ماذا أقول له؟ ماذا أقول له؟ تساءلت، وقلت: وأنا ماذا أقول له؟ لا إله إلا الله!
فاضت عيناي، اقشعرَّ جسدي، وإذا بالمنادي ينادي: الله أكبر، الله أكبر، نداء صلاة الفجر، أحيا فيَّ كل جارحة، أحسست لأول مرة أنه نداء خاص بي، يهز أعماقي، يدعوني لإسدال الستار على فترة مظلمة من حياتي، يدعوني إلى الهداية، إلى السعادة، اغتسلت، تطهرت، أسقطت عن جسدي وروحي ثقل رذائل غرقت فيها سنوات وسنوات، أدَّيت صلاة الفجر، ومن يومها لم تَفُتْنِي فريضة، والحمد لله رب العالمين!
واأسفاه من حياة على غرور، وموت على غفلة، ومنقلب إلى حسرة، ووقوف يوم الحساب بلا حجَّة!
ازرع لكي تحصد يوم الزحام يا ويل من يلهيه عنه الحطام
يا عبد الله! أيها الشاب! مثِّل نفسك -أجارك الله- صاحب الحادث، ثم لا تسوِّف، عجِّل عجِّل، هيا هيا، إلى الله لا طاقة لقذارة الوسخ مع بياض الصابون، قل قلباً وقالباً:
أيا ملك الملوك أقل عثاري فإني عنك أنأتني الذنوب
وأمرضني الهوى لهوانِ نفسي ولكن ليس غيرك لي طبيب
أيا ديان يوم الدين فرِّجْ هموماً في الفؤاد لها دبيبُ