[بين الصالح والبطال علو الهمة]
فيا من قصد البحر بهمةٍ: زَكِّها؛ قد أفلح من زكاها، أبواب الخير المشروعة مُشْرَعة لك لتدخلها بهمة حازم.
وأول هذه الأبواب: الفرائض.
فما تقرب متقرب إلى الله بأحب من الفرائض، وهذه الأبواب نفعها قاصر، ونوع آخر نفعه متعد للغير، وما كان متعدياً فهو أولى، فخض لُجْة البحر بهمة، وادخل من كل باب، واضرب في كل غنيمة بسهم، وعش مع كل طائفة على أحسن ما فيها، وخلِّ القنوات!
من هذه الأبواب -بلا ترتيب- حفظ كتاب الله وتدبره، والوقوف عند حدوده، والائتمار بأمره، والانتهاء عن نهيه، تحكيمه والرضا به.
فمالك إن تركت هذا الباب؟
اسمع لقول الرسول صلى الله عليه وسلم كما ثبت في صحيح الجامع: {لو كان القرآن في إهاب ما أكلته النار، يجيء القرآن يوم القيامة شفيعاً لصاحبه، فيقول: يا رب! حَلِّهِ، فيُلبس تاج الكرامة، ثم يقول القرآن: يا رب! زده، فيُلبس حلة الكرامة، فيقول: يا رب! ارض عنه، فيرضى الله عنه، فيقول القرآن: اقرأ وارق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا؛ فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها} حرف منه بحسنة، والحسنة بعشر أمثالها، آلم بثلاثين ويا خيبة البطالين!
الحرفُ منه مُضَاعفٌ وميسرُ شَقي الذي عن حُكمهِ قدْ أعْرضا
هُبُّوا إليه لحِفْظِه وتَأهبُوا وارجوا رِضَا الرحمنِ صُبْحا والمَسَا
ويقول صلى الله عليه وسلم كما في صحيح الجامع: {لأن أقعد مع قوم يذكرون الله من بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس؛ خير لي من أن أعتق أربع رقاب، ومن أعتق رقبة مسلمة أعتق الله بكل عضو منها عضواً منه حتى فَرْجِه بفرجه}.
يا للغنيمة الباردة! والله لا تتحقق اليوم إلا لأهل تحفيظ القرآن، أهل حلقات التحفيظ؛ هنيئاً لهم ثم هنيئاً.
يا فَتى التَّحفيظ:
كنْ رَابطَ الجَأشِ وارْفَع رايةَ الأملِ وَسِر إلى الله في جِدٍ بلا هَزَلِ
وإن شَعرتَ بنْقصٍ فيك تَعْرفهُ فَغَذِّ رُوحَك بالقرآنِ واكْتَمِلِ
وحَارِب النفسَ وامْنَعْها غِوَايَتَها فالنَّفسُ تَهوَى الذي يَدعُو إلى الزلل
{بشر المشَّائين في الظُّلَمِ إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة} {من غدا إلى المسجد أو راح، أعد الله له في الجنة نُزُلاً كلما غدا أو راح} كيف لو أدرك تكبيرة الإحرام مع الإمام أربعين يوماً؟ ثبت في صحيح الجامع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {من صلى لله أربعين يوماً في جماعة يدرك التكبيرة الأولى كُتب له براءتان؛ براءة من النفاق، وبراءة من النار}.
هلا حاولت وجاهدت نفسك لهذا الفضل العظيم؟
قد تدركها ثلاثين يوماً، وقد تدركها تسعة وثلاثين يوماً، وقد تدركها أربعين يوماً إلا فرضاً واحداً، ثم تنخرم القاعدة، لكن عُد من جديد، وجاهد نفسك، وستجد -بإذن الله- لذة المجاهدة على هذا الفضل ماثلة ظاهرة.
والشيءُ صَعبٌ عَلى مَن لا يُجِرِّبه، لكن من جَدَّ وَجَد.
مَا كُنتُ أَرجُوهُ إذ كُنتُ ابْنَ عِشرِينَا مَلَكْتُهُ بَعدَ أَنْ جُزتُ الثَّمَانِينَا