للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[صفات أهل الجنة]

يا أيها الإخوة: هذه سلعة الله، وهذا بعض نعيمها: وما راءٍ كمن سمع، وما مخبر كمعاين.

سلعة الله غالية! سلعة الله الجنة! خلقها الله يوم خلقها وخلق فيها ما لا عين رأت ثم قال لجبريل: اذهب فانظر إليها -كما في صحيح مسلم - فذهب إليها ونظر، فإذا فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت فرجع وقال: يا رب! وعزتك وجلالك لا يسمع بها أحد إلا دخلها، فحفها الله بالمكاره -حفها الله بالتكاليف وبما يجب أن نعمله- ثم قال: ارجع ثم انظر إليها يا جبريل.

فنظر فإذا هي حفت بالمكاره فعاد فقال: يا رب! وعزتك وجلالك قد خشيت ألا يدخلها أحد.

يخشى ألا يدخلها أحد لما حفت به من المكاره.

يا أيها الإخوة: خلقها الله وجعلها دار رحمته وكرامته ورضوانه ثم قال لها.

تكلمي.

قالت: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} [المؤمنون:١].

فمن هم أهلها إذاً؟

أهلها المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون، والذين هم عن اللغو معرضون، والذين هم للزكاة فاعلون، واقرءوا أول سورة المؤمنون.

أهلها من أطاع الله ورسوله فحققوا التوحيد، وأصلحوا العمل، واتبعوا المصطفى صلى الله عليه وسلم: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَاباً أَلِيماً} [الفتح:١٧] وقال صلى الله عليه وسلم مبيناً أهلها: {كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى! قالوا: ومن يأبى يا رسول الله؟} لا يتصورون أن هناك إنسان يأبى ذلك: {قالوا ومن يأبى؟ قال: من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى}.

أهلها من حاربوا البدع وأحيوا السنن وعلموا أن البدع مردودة ليس لها قبول، قبيحة ليس فيها حسن، ضلالة ليس فيها هدى، باطل ليس فيها حق، وزر ليس فيها أجر؛ لأنها شرع لم يأذن الله به، ولم تكن على أمر المصطفى صلى الله عليه وسلم ولا على أمر أصحابه، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: {من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو عليه رد} وهو القائل صلى الله عليه وسلم: {كل بدعة ضلالة}.

أهلها من أقام الصلاة وآتى الزكاة وصام وحج وصدق مع الله واتبع سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم: {من رغب عن سنتي فليس مني} كما أخبر صلى الله عليه وسلم.

أهلها من تركوا المراء: {أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقاً}.

أهلها من ترك الكذب: {أنا زعيم ببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحاً}.

من أهلها؟

أهلها من حسنت أخلاقهم: {أنا زعيم ببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه} يقول أحد السلف: ذهب حسن الخلق بخيري الدنيا والآخرة.

أهلها أهل قيام الليل: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً} [السجدة:١٦].

أهلها {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ} [آل عمران:١٣٤].

أهلها من بذلوا أنفسهم ليأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر، ولما كان الأمر والنهي يجد الإنسان في طريقه المتاعب ويجد المشاق، جعل الله له في الجنة جزاء عظيماً، اسمع لـ أبي هريرة رضي الله عنه يوم يذكرك بهذا الجزاء، فيقول: [[إن في الجنة حوراء يقال لها العيناء، إذا مشت مشى حولها سبعون ألف وصيف، كلهن مثل جمالها، تقول هذه العيناء: أين الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر؟]] عوضاً لهم عما لقوه في الدنيا من أذى، عوضاً عما لاقوه من مشقة، واستهزاء وسخرية.

من أهلها؟

أهلها من باتوا لا يحملون على أحد حسداً.

أهلها أهل العفو.

أهلها من ضمن ما بين لحييه وما بين فخذيه.

أهلها من أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، ووصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام.

أهلها من راقبوا الله جل وعلا في كل حركة من حركاتهم وسكناتهم وعلموا كما أخبر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم: {أن ما بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة عام، وسمك كل سماء خمسمائة عام، وما بين كل سماء وسماء مسيرة خمسمائة عام، ومن فوق ذلك خمسمائة عام ومن فوق ذلك عرش الرحمن} الله مستو عليه عال عليه بائن من خلقه: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا} [المجادلة:٧] يجب أن نستشعر هذا.

الله عز وجل معنا بعلمه، ومعنا بقدرته، لا يمكن أن نذهب عن نظر الله طرفة.

إن بعض الناس يوم يعصي الله يستتر بالجدران ويستتر بالحيطان ونسي الواحد الديان.

لا تنظر إلى المعصية ولكن انظر إلى عظمة من عصيت.

ألا أن سلعة الله غالية! ألا إن سلعة الله الجنة! هبت رياح الجنة فاغتنموها لتفوزوا بنعيمها: {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ} [آل عمران:١٨٥] ألا فالسباق السباق! ألا فالبدار البدار! جددوا السفن فإن البحر عميق، وأكثروا الزاد فإن السفر طويل، وخففوا الحمل فإن العقبة كئود: {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الحديد:٢١].

{وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور:٣١].

يا مذنباً! أذنب وأساء وكلنا ذاك المذنب، يا مخطأً أخطأ وزل وكلنا ذلك المخطأ والزال؛ عودة إلى الله: {خير الخطائين التوابون} يقول الحق تبارك وتعالى: {يا بن آدم! إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك ما كان منك ولا أبالي، يا بن آدم! لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك، يا بن آدم! لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً؛ لأتيتك بقرابها مغفرة} ما أرحم الله! ما ألطف الله! ما أحلم الله! نسأله برحمته التي وسعت كل شيء أن يتقبل منا أعمالنا، وأن يتوب علينا.

من لنا إلا أنت يا ربنا إن لم تتب علينا.

{يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعاً فاستغفروني أغفر لكم}.

فلنستغفر الله، ولنعد إلى الله.

والله! نحن بحاجة إلى التوبة -ملتزمنا ومنحرفنا وضالنا- أحوج من الماء والطعام واللباس؛ لقد كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يستغفر الله ويتوب إليه في اليوم سبعين مرة، وقيل: مائة مرة صلى الله عليه وسلم وهو من غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر.

ثم اعلموا: أن المولود إذا ولد نؤذن في أذنه اليمنى، فإذا مات نصلي عليه، فكأن الحياة ما بين الأذان والصلاة.

ولا إله إلا الله! ما أقصرها من حياة! أتقصر بالمعاصي؟! أتقصر بالشهوات والجري وراء الغرائز والنزوات؟! ما قصَّرها بهذا إلا شقي.

ونسأل الله ألا يكون بيننا شقي.

فإياكم و (سوف) وإنما عزمة إلى الله وانتبهوا من (سوف) فإن (سوف) جندي من جنود إبليس: سوف أعمل، سوف أعمل:

أعماركم تمضي بسوف ورُبما لا تجتنون سوى عسى ولعلما

هم المسوف كالتعلق بالسما

أعماركم تمضي عجالى إنما أنتم على سفر من الأسفار

كأنكم بالجنة وقد فتحت أبوابها، وتقسمها أصحابها، وغنت ألسن الأماني قريباً من قبابها.

بشرها دليلها وقال غداً ترين الطلح والجبالا

فحي على جنات عدن فإنها منازلنا الأولى وفيها المخيم

وحي على روضاتها وخيامها وحي على عيش بها ليس يسأم

أيا ساهياً في غمرة الجهل والهوى صريع الأماني عما قليل ستندم

أفق قد دنا الوقت الذي ليس بعده سوى جنة أو حر نار تضرم

وتشهد أعضاء المسيء بما جنى كذاك علا فِيِه المهيمن يختم

أسأل الله برحمته التي وسعت كل شيء أن يرحمنا.

اللهم إنا نحن عبادك الفقراء إلى رحمتك فارحمنا برحمتك التي وسعت كل شيء.

اللهم جازنا بالإحسان إحساناً وبالسيئات عفواً وغفراناً.

اللهم اجعل هذا الجمع جمعاً مباركاً.

اللهم اجعلنا منصرفين منه وقد كتبت لنا أن نسكن رياض جنانك.

اللهم لا تحرمنا نعيم الجنان.

اللهم ويسر لنا الطريق إليك إنك على كل شيء قدير.

اللهم بيض وجوهنا يوم تبيض وجوه أهل السنة، وتسود وجوه أهل البدعة إنك غفور رحيم، وبالإجابة جدير.

اللهم إنا نسألك من فضلك الكريم، اللهم اجعل هذا الجمع جمعاً مغفوراً له، وإذا مشى كنت معه بسمعك وبصرك وأنت الله لا إله إلا أنت.

سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.