هاهي الشيماء بنت الحارث أخت رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاع؛ أرضعته وإياها حليمة السعدية في بادية بنى سعد، وبعد أربعين سنة من الفراق بين الأخ وأخته، حيث افترقا وهما صغيران، سمعت به أنه انتصر صلى الله عليه وسلم وانتصرت دعوته وهو بـ المدينة، فانتقلت من بادية بني سعد في الطائف تقطع الفيافي والقفار والصحاري التي يبيد فيها البيد، ويضيع فيها الذكي والبليد، حتى جاءت إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم هناك، وبينا هي هناك والنبي صلى الله عليه وسلم في وسط جيشه؛ يدبر شئون الأمة ويصرف الجيوش، جاءت إلى أحد الصحابة تستأذنه لتدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: أنا الشيماء بنت الحارث أرضعتني أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم حليمة السعدية فاستأذنوه لأدخل عليه، فأخبروا النبي الله صلى الله عليه وسلم وكان جالساً في شئون الأمة يصرفها، قالوا: فذرفت عيناه الدموع صلى الله عليه وسلم، تذكر الوشيجة والعلاقة، وتذكر رضعات كانت بينه وبينها قبل أربعين عاماً، قالوا: ذهب إليها يستقبلها ويعانقها عناق الأخ لأخته بعد فراق أربعين عاماً، ويسألها ما حالها: كيف حالك يا شيماء؟ مرحباً بك يا شيماء! يقولون: ويظللها صلى الله عليه وسلم من الشمس، ويجلسها في مكانه ليعلم الناس كيف يصلون أرحامهم -صلى الله عليه وسلم- وجلست معه وسألها عن رَبْعِها وعن أهلها وعن أخواتها، وما كان منه صلى الله عليه وسلم بعد ذلك إلا أن قال لها: يا شيماء! إن شئت أن تعيشي معي فأختي الحياة حياتي والموت موتي، وإن شئت أن ترجعي لأهلك فذلك لك.
قالت: بل أرجع لأهلي، فقام صلى الله عليه وسلم فجهزها بقطيع من الإبل، وبأرزاق معها؛ لِيُعَلِّمَ الناس صلة الأرحام لتعود إلى بادية بني سعد.
فأين الذين قطعوا عماتهم؟! وأين الذين قطعوا خالاتهم؟! وأين الذين قطعوا أمهاتهم؟! ما حال هؤلاء يوم يقفون بين يدي الله {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ}[محمد:٢٢ - ٢٣].