للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حال الخلق في يوم القيامة]

ثم اعلم أن كل شيء خلا الله باطل، وكل شيء خلا الله زائل: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ} [الرحمن:٢٦ - ٢٧] كتب الفناء على كل مخلوق، واختص نفسه بالبقاء سبحانه وبحمده، ووالله لو كان الأمر سينتهي بالموت لكان هيناً، ووالله إن الموت مع سكرته ومع شدته أهون مما سيليه، وإن القبر مع ظلمته ووحشته أهون مما سيليه، كل ذلك يا أيها الأحبة هين متى؟ إذا قورن بالوقوف بين يدي علام الغيوب، وتلفت المرء يميناً فلم ير إلا ما قدم، وتلفت شمالاً فلم ير إلا ما قدم، وتلفت أمام وجهه فلم ير إلا النار، قد غضب الرب غضباً لم يغضب قبله ولا بعده مثله قط، الشهود منك وفيك، أيدٍ تشهد، وألسنة تشهد، وآذان تشهد، وجوارح تشهد، الناس وأنت منهم قد جاءوا حافية أقدامهم، عارية أجسادهم، ذاهلة قلوبهم، قد تفطرت قلوبهم، وقد تفتت أكبادهم، قد دنت الشمس منهم قدر ميل، فبلغ العرق منهم مبلغاً حتى ألجم بعضهم إلجاماً: {فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} [المعارج:٤] حشروا بلا طعام ولا شراب، تتقطع منهم الأكباد وتتفطر القلوب، وتحترق الأجواف.